من يهتم بما يجري للقضيّة الفلسطينيّة على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية، من حقه أن يستفسر أو يدرس أين وصلنا؟ . وكما يبدو لمن يتابع موضوع ما يسمى بمفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليلاحظ أن الطريق الطويل لم يقصر بعد، وإن قطع كيري في جولاته المتعددة الي المنطقة واليها مئات الالاف من الكيلو مترات في الجو وعلى الارض . . فالخريطة التي وضعت بين الطرفين للحل النهائي والتي ستنتهي صلاحيتها في أقل من أربعة شهور تبدو بعيدة أيضا . . وكما هو معروف تبرز القضية ليتوهم البعض أنها اولوية للأطراف المعنية وسرعان ما تنزل من القائمة لتهمش . وما يزيد الأمر تعقيدا هو غموض ما وصلنا اليه من اجتهادات بعد أن غيّر كيري “ اسم العملية “برمتها الى “ اتفاق إطار “ ، وبهذا يبدو وكأنه يضع مبادرة جديدة كبداية لعملية المفاوضات ووضع الحل النهائي التي استمرت عشرين سنة فاشلة . غموض تحركات كيري وملفه الذي يبدو سريا للجميع ما يثير الشكوك ويشي بمعادلات يضعها أو يصنعها وليس كما يريد الفلسطينيون والعرب وبخاصة أنه يعرف جيدا النوايا الإسرائيلية غير الجادة بعملية السلام وما يلحقها من تفصيلات .
تناقضات كيري المقصودة تبدو في آخر تصريحاته “ فيما اذا فشلت المفاوضات “حول المقاطعة المطروحة من العالم الاوروبي والتي بدأتها بعض الدول وذلك لعدم رضاها عل متابعة اسرائيل بناء المستوطنات بغزارة وتصدير منتجاتها من أراض عربية تحت الاحتلال ويعدنوها غير شرعية، رغم أن الحقيقة التاريخية تقول، إنه كل الاراضي الاسرائيلية تحت الاحتلال مسروقة وغير شرعية . الغضب الإسرائيلي على تصريحات كيري يأتي كنوع من التحذير المبطن والقابل “ للحكي “. فالموضوع ليس جديدا ولن يضير كيري اذا ما استمرت أمريكا على تحيزها لإسرائيل في “ أكثر الملفات .”
مساعي كيري التي تبدو غير جادة، وبخاصة أن مهمته من المفروض أن نكون في المراحل النهائية وليس البداية . أما مسألة القدس واصرار الفلسطينيين أن تكون عاصمة دولتهم المستقبلية، لا تبدو أنها نضجت لتكون في حدود القدس الشرقية . إسرائيل بعدم جديتها بالمفاوضات للحل النهائي لم تقبل سرا أو علنا لليوم بمطالب الفلسطينيين وعاصمتهم القدس الشرقية التاريخية .
ولعل استمرارها اليوم كالأمس بالتنكيل بالقدس وأهلها وبالحرم الشريف لهدمه واقامة الهيكل المزعوم مكانه ليعزز هذا القول . اسرائيل تريد عاصمة الفلسطينيين أن تكون أبعد من حدود القدس وتعمل على توسيع حدود المدينة الى رام الله، أو قرى أكناف القدس المحيطة بها وكأنها تبني لهم قدسا جديدة . موضوع آخر نتابعه، وهو قضية اللاجئين وحق العودة التي تخيف اسرائيل . مبادرة كيري الغامضة “ للان “ قد تطرح حلولا تحقق الحلم الاسرائيلي الاستعماري وهو توطين الفلسطينيين خارج أرضهم وهم يرفضونه. والمبادرة التي يتسرب منها اطروحات جديدة وكأن كيري يمهد لمشروع ميت قبل ولادته يجعل “ مشروع التسوية “ بملفاته السابقة، وكأن شيئا لم يكن وإن كانت كثير من التفاصيل لا زالت مرفوضة من الطرفين . والسؤال الذي نريد : “ أين وصلنا .. أنحن في النهاية أم البداية “؟ . ولغموض كيري نقول .. الله أعلم .!!