كثرة ما يجري من أحداث في العالم تتشابك وتتقاطع وتؤثر بعضها على البعض الاخر، كما في مجتمعاتنا العربية والتي ليست بمعزل عن ذلك، تعاني المجتمعات من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية و نلاحظ أن الخطاب أصبح له أكثر من مصطلح في كل بلد لاستعماله لتحليل الواقع و مسبباته بكلمات ومضامين مشتركة أو لها “ خصوصية “. ومنها : الفقراء والمهمشون، والناس الأقل حظا، والعدالة الاجتماعية، والمجتمع المدني وغيرها.
بالنسبة لنا، فالفقر بلا شك هو المصطلح الأكثر استعمالا هذه الأيام، لانه يعبر عن واقع تعيشه نسبة عالية من الناس المحتاجين. وقد عرف “الانسان الفقير” عالميا،بأنه الشخص الذي يعيش عل دولار أو أقل في اليوم وسأبتعد عن الأرقام بقدر الامكان،لانها جامدة ومن غير روح كروح الانسان الفقير. ولعل أقرب مثال هو رجل فقير يطرق باب بيتي وهو يتذرع بشتى الأسباب لمد يده ما جعلني أكتب هذه المقالة. كل فترة يعود وهو يتسول، مرة لعلاج ابنه، ومرة لأن البرد هجم عليهم والأطفال يرتجفون من غير” غاز “، الى غير ذلك. فقير هذا الرجل، لأنه لا يستطيع الحصول على “ العدالة الاجتماعية “ التي لها بالطبع معنى واحدا، فهو لا دخل له أي مصدر رزق أو عمل. ولكن أيضا من دردشتي معه فهو يحظى “ بالعطف “، من الناس الذين لا يزالون يؤمنون “بالتكافل الاجتماعي “.مثل هذا الرجل فقير لأنه فقد كرامته، رغما عنه وهو مهمش يبحث عن انسانيته المفقودة والضرورية ليشعر بقيمته وانسانيته.
هذا الفقير هو نفس الشخص الذي نحاول أن نخفف من تعاسته ونصفه “ بالأقل حظا “، وكأننا نقول إنه غير محظوظ لأنه لم يوجد في عائلة أكثر حظا، وكأننا نؤمن بالحظوظ لحل المشاكل الاقتصادية العميقة ولدينا منها النسبة العالية من الفقراء والاقل حظا. عدد الفقراء في ارتفاع بسبب ما يجري من عدم استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي يساعد على ايجاد الاعمال التي تضمن المأكل والملبس والسكن لمن يحتاجونه. فعمان تعج بالاقل حظا في كل شيء ومن كل صوب، كونها أيضا المكان الذي يحتضن الناس الذين يبحثون عن الأمان والتكافل الاجتماعي والكرامة الانسانية وقد لجأوا اليها كحق انساني لهم كما المضيف.
أما مصطلح “ المجتمع المدني “ ومؤسساته والذي أصبح معروفا للجميع، فقد استبدل منذ السبعينيات من القرن الماضي بدل (الجمعيات الخيرية )، التي كانت ولا زالت تقوم بعمل الاحسان لتخفيف حدة الفقر بالمساعدات الانسانية. ولكن المفهوم الجديد البديل يركز على أهمية “المشاريع الصغيرة “ التي قد تفيد الأقل حظا من توفير ضروريات الحياة. بالاضافة نرى هذه الايام كثيرا من المبادرات التي تركز على الباحثين عن عمل، وهي خطوة تؤدي الى مشاريع ناجحة وهو اسلوب ايجابي قد ينجح بعضها في الظروف الصعبة التي يشكو منها الكثيرون بصمت أو بصوت عال. ما يعيشه المجتمع بطبقاته الغنية والفقيرة، هو واقع غير مريح. هناك ضرورة للبحث عن الطبقة الوسطى التي كانت تشكل الامان، وقد أصبحت متآكلة وساهم ذلك من توسيع الهوة بين المحظوظ،والأقل حظا، كما نحب أن نصف الفقير بمصطلح لا ينفع ولا يغني من جوع !!!