عندما يصل الانسان “سن الشيخوخة “التي يرى المتخصصون أنها تبدأ في سن الستين أو الخمسة وستين , يبحث الانسان عن شبيهه ليستذكر ما يجعله يطيل عمر شبابه ولكي لا يعيش في جو من العزلة أو الهدوء الممل .في عصرنا هذا ,عصر التكنولوجيا والاعلام وأدوات التواصل الاجتماعي فقد تغير مفهوم التواصل الاجتماعي ليصبح الانسان اجتماعيا “لمن يريد “, في جميع مراحل العمر . ولعل التواصل الاجتماعي الانساني هو ما يظل الانسان بحاجة له أكثر من أية وسيلة أخرى تشعره بقيمته الانسانية التي تعبر عن التفاعل العقلي والعاطفي بشكل خاص .. ولذلك تجد مجموعات من الاصدقاء بعد سن التقاعد يبحثون عن بعض , يتزاورون ويجتمعون ويلعبون الطاولة أو الشدة ,وغيرها ويمارسون الرياضة الخفيفة , لتظل العلاقات الاجتماعية مثل تناول الطعام معا في جو حميمي .
نادي متقاعدي الأمم المتحدة في عمان , برئاسة حفص السقا ,- الذي لا يبدو أنه تجاوز الستين, كما الباقين بالطبع ؟؟– كانوا في “ لمّة “تهدف للتواصل الاجتماعي صباح الأمس لتناول طعام الافطار في مطعم شعبي متخصص بالفول والحمص وما يتبعه من طعام شعبي لذيذ؟تخلل الاجتماع الاحاديث والنكات وذكريات العمل أو الذكريات الخاصة , مما أضفى على هذه “ اللمّة “جوا عائليا يذكر بمثلها عندما تجتمع العائلة عند الجدة . ولعل ما جعل هذا الجو المميز له خصوصية هو , الشئ المشترك بين الجميع محبة الطعام الشعبي الذي تلتصق حكايات الجدات لتعزز الجذور والهوية في كل لقمة . فالطعام يعتبر جزءا من حضارة الشعوب تتناقلها الاجيال وتوثق الحياة الاجتماعية في المراحل التاريخية المختلفة . وفي هذا السياق, قامت إسرائيل مثلا بالادعاء في العالم أن بعض المظاهر الثقافي الفلسطينية من تراثها مثل الفلافل. وهو طبق شعبي معروف في جميع الدول العربية , كما الأزياء الشعبية الفلسطينية التي سرقتها وعرضتها في المحافل الدولية .
في عالمنا العربي وبين أوساط المثقفين , لاتحظى الثقافة الشعبية بكل مظاهرها الفكرية والمادية من طعام وحرف ومهن وابداع شعبي من رقص وغناء وابداع حرفي أو كتابي بمكانة مرموقة ,والبعض ينظر اليها كاحد خصوصيات الحياة الشعبية التي يعمل البعض على انكارها وهم يتسابقون للحاق بالحضارة الغربية بكل ما فيها . . وتظل الحقيقة أيضا أن , الكثيرين اصبحوا يقدرون التراث الشعبي . ظهرت جمعيات تهتم بالثقافة الشعبية بما فيها الأطعمة التراثية , من أجل الحفاظ عليها من الاندثار . وأقامت الدول الاحتفالات والمهرجانات مثل مهرجان الخبز في فرنسا أو الجبن في روما وغيرها من الدول لتسترجع تراث الاجداد , وتقدمه لتثقيف الأجيال القادمة وهم غارقون في الحضارة والثقافة سريعة التغير . وهي عملية حضارية لاعادة الموروث الشعبي للتفاعل بين القديم والجديد.
الفول والحمص والملاتيت بالزعتر وغيرها, من الاطعمة القديمة في كل بلد عربي ويجب أن يحافظ عليها وعلى خصوصيتها , لا بل احيائها قبل أن تزول أو تختفي بين ما أتت به العولمة من أطعمة من كل حدب صوب . فقد أصبح الجيل الجديد يقبل عليها وكأنها “ أكلات الأجداد “ لا اختراعات الشركات عابرة القارات التي تستقطب الكبير والصغير . “ لمتنا “ بالامس عززت روح المحبة للماضي والحاضر مع تقدير أهمية التراث الشعبي . ولعل بعض الكبار والصغار يحذون حذو جمعية متقاعدي الأمم المتحدة الذين ظلوا يتمسكون بالثقافة الشعبية المحلية ويقدرون الثقافة الشعبية اينما حلوا . فشكرا للاستاذ حفص السقا على هذا النشاط المحبب