كنت في الخمسينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي من رواد قاع المدينة أو الأسواق الشعبية , وقد تغيرت هذه العادة لديّ لاسباب كثيرة منها مثلا عدم وجود مكان “ يأوي “ سيارتي التي أصبحت عبئا وليس كالسابق , حيث كانت السيارات قليلة . سعدت عندما سمعت أن الأمانة ستعيد الى قاع المدينة “ألقها “ . والألق أو الأهمية أو صب الاهتمام على المكان ليعود كما كان جميلا وكما هو في ذاكرة ألأجيال. كان السوق في الماضي يعني دكاكين الأطعمة من لحم وخضار وخبز وقهوة وسكر وكل ما يلزم البيت من المونة الصيفية أو الشتوية . بالاضافة كان السوق يعني دكاكين الأقمشة والألبسة وما يلزم من أدوات الخياطة والتفصيل . كان السوق أيضا يكمل ذلك بوجود المكتبات التي تبيع الكتب المدرسية وأخرى للكتب الأدبية المحلية والاجنبية بعض الكتب كانت تنشر على الأرصفة مع الجرائد دون ازعاج , بل كانت تشجع الوقوف وكأنها زيارة . كان هناك بعض الفنادق وأهمها فندق ( فيلادلفيا ) العريق الذي بني عام 1928 و هدم في الثمانينيات مع تاريخه السياسي والاجتماعي مع الأسف من أجل تجميل المكان . كان السوق بمثابة حارة يلتقي فيها كل الناس للحصول على حاجياتهم , ويتوقفون للسلام على بعض ويعرفون أخبارهم ,يتمنون للمريض الشفاء إذا ما صادفوا أحدهم يخرج من عيادة أحد الأطباء الذين كانوا أيضا من السوق ومن ناس قاع المدينة وسكان حاراتها القديمة والجديدة . بالطبع لن تعود الحارة كما كانت ولا أعتقد أن أمين العاصمة عقل بلتاجي النشط يعني ذلك . وقد بقيت والحمد لله أسماء الأسواق القديمة تشهد على الماضي مثل سوف منكو والبخارية والبلابسة والمهاجرين وغيرها .
التغيير الذي طرأ على عمان وسعّها لتصبح حارات كبيرة وكثيرة ومنتشرة في جبال عمان بمساحاتها الواسعة المبعثرة على سبعة جبال , تتضمن الدكاكين الضائعة بين المولات التي تضم الأسواق الجديدة التي تحمل الأسماء العالمية سواء للبضاعة أو المالك. و قد أصبح رواده اناسا أخرين من كل حدب وصوب وهذا شئ طبيعي في عملية التنمية المستمرة . . بالطبع لأهل السوق كان دور منشرة في جبال عمان وأماكن أخرى . كانت البيوت الحجرية الجميلة تدل على بداية عمان الجديدة والتي أصبحت عمان القديمة اليوم . بعض المنازل والبنايات هدمت , والبعض الاخر ظل واقفا ليشهد على التغيير . بقي اسم البعض ملتصقا بالشارع والحجر الذي بناه . الا أن التغيير أيضا قد غير بعض البيوت مثلا الى مكان تجاري أو مطعم . حظي البعض بتسمية الشارع الملاصق باسم صاحب البيت , والبعض الأخر سيندثر مع تغيير معالم البيت الذي بناه صاحبه وكان الشارع القريب معروف باسمه وإن كان غير مكتوب , وبخاصة البيوت التي تقع بين الدوار الأول والثالث والتي يقال أنه أصبحت منطقة تراثية .
في نيويورك , كنت أسكن في ( مانهاتن ), في شارع راق وحديث قرب الأمم المتحدة . ناطحات السحاب فيه بنيت على أنقاض البيوت القديمة التي كانت تسمى “ البنيّة “ , وقد لاحظت “ قارمة “ في زقاق يفصل البرجين مثبت عليه اسم صاحب البيت الذي بناه قبل أكثر من مائتي سنة لأنه كان من أوائل البيوت في ذلك الشارع فقد ظل الاسم حيّا ولم يزل بزوال أو تغيير معالم البنيان . ولعل الأمين يأخذ بعين الاعتبار مثل هذا التقدير لمن ساهموا في بناء مظاهر المعمار الحديث انذاك والذي أصبح تراثا اجتماعيا وثقافيا,و ليظل الاسم جزءا من وثائق تعزز تاريخ عمان الاجتماعي والثقافي وتقدر من ساهموا في البناء ولعمان محبيتي . وللحديث بقية!.