السير الذاتية تعدّ كجنس أدبيّ له خصوصيته في الغرب يكتبه الكبار الذين كان لهم دور في الحياة العامة، بالاضافة للمشهورين من الكتاب والسياسيين والفنانين. إلا أن ذلك قد تغير وأصبحت سير الناس العاديين كتبا ناجحة تبعث على الاعجاب. السير الذاتية تنجح إذا ما قدمت للمهتم معلومات وقصصا لم يعرفها من قبل باسلوب يجعلك تتمسك بها وتتمها بمدة قصيرة وتشعر أنها سيرة إنسان له عواطف ومشاعر صادقة بالإضافة للعقل الرزين.
جذبني كتاب جديد تحت عنوان “ أيامي معك “، للسيدة سهام اليحيى” أم الرائد “ زوجة الدكتور الاستاذ محمود السمرة، تحكي سيرة حياتها مع رفيق عمرها لمدة ستين عامًا. أم الرائد حكت في سيرتها الذاتية سيرتين، سيرة خاصة بها وسيرة الفلسطيني بعد النكبة، وأخرى تتعلق بقصة حب وعلاقة مع زوج وأب لأولادهما بمشاعر عميقة بها. ولأنها سمحت لنا بمشاركتها ذكرياتها؛ ما جعل الكتاب، مميزا. بالاضافة إلى مقدمة محمود السمرة، الذي تقلد مناصب عامّة بعضها أستاذ، رئيس جامعة ووزير للثقافة في الاردن، تملي عليه كما في بعض عاداتنا وتقاليدنا” السلبية “ أن يحبس أنفاس العواطف الخاصة. فهو الرجل الشرقي، الذي عاش في مجتمع عربي اسلامي” متزمت “ كما بقية الرجال، تجعله يحمل” الكشرة “على جبينه من مدة لأخرى وعلى الأقل أمام طلابه. وبعكس ذلك وكما كل كبار العالم الذين لديهم شيئا يقولون مغموسة بالعواطف، لم يخف الدكتور والاستاذ ومعالي الوزير، عن مشاعر الحب لزوجته التي عبر عنها بالقول : “ وأنا أؤمن بأن الحب في أسمى درجاته يتحدى الزمن ويزداد تماسكا وقوة وعطاء، ويبقى على المدى كما كان من أول يوم “.
سيرة السيدة سهام في مرحلة قبل الزواج وبعده، فيها سعادة قبل النكبة ثم ألم الفلسطيني الذي تنقل من مكان لآخر، من الطنطورة وحيفا والقدس ونابلس ودمشق، والكويت وعمان، ثم لندن مع زوجها. يتخلل ذلك قصص من واقع الحياة والناس والأماكن. إلا أن أكثر ما أعجبني القسم المعنون “ الرسائل بين لندن والكويت “ وهي الغنية بالعواطف والشوق وألم الفراق، ليدرس في لندن.يخاطبها بـ “ الحبيبة الغالية سهام “ وترد عليه من الكويت “ حبيبي محمود ( يا ريت في كلمة أكثر من حبيبي ). وكانت الرسائل متواصلة. ومن شدة الشوق علّه يخفف لوعة الفراق، كتب محمود السمرة : “ العزيزة الحبيبة حبة القلب وقرة العين سهام “.وتسأله في إحدى الرسائل “ فهل غيابي عنك هو الذي فجر تلك العواطف “؟ حب وعتاب وخصام بين العمل والمسؤولية في الدراسة، وعمل سهام، في البيت والمدرسة وتحمل مسؤولية الأم وهموم الحياة عن قرب وبعد عاشت سهام ومحمود، أحب الأيام رغم قساوتها. الا أن هذا التشتت ودور الرسائل في ابقاء شعلة الحب متقدة، تتوجت بحصول الزوج على شهادة الدكتوراة ليصبح د. محمود. ولتأكيد هذه العواطف التي كما قال في مقدمة كتاب زوجته و بعد أن أهدى أطروحته لها :” الى زوجتي التي بدون حبها وصبرها وتحملها لم يكن لهذا العمل أن يكتمل “.
الكتاب نوع جريء من كتابة السيرة، وهكذا ينبغي أن تكون. فالاحداث والأمكنة والناس حي جزء من عالم ومكان انساني، جعل للمكان والانسان قيمة كبيرة تستحق التقدير والتعلم منها. ولعل قراءة الكتاب في ساعات متواصلة، ما يدل على المتعة التي شعرتها وانا أقرأ، “ أيامي معك “.
وأراه كتابا جديرا بالقراءة.