تقابل أحيانا أناسا  وفق برنامج  أو موعد , أو صدفة , وتنسى بعضهم أو جلهم – إن شئت – في أخر النهار .  لم أنس ولدا اسمه سعيد  لا يتجاوز عمره  أحد عشر عاما , جميل  بعيونه الخضراء الواسعة ولباسه النظيف , قابلته بالصدفة , بالامس    أمام حمل كبير  من صناديق برتقال العصيرالمركوزة في الشارع .    كان هو الرئيس المسؤول لوحده  لأن والده    مشغول بعمل أخر  .  فرزق  عمل اليوم  بيده وهو الولد الصغير الذي يبيع البرتقال . ؟


كنت تعبة , لم أنزل من السيارة  وجرى بيننا الحديث الأتي : “ بكم تبيع الصندوق ؟ قال بثقة وأدب  “ البكسة بدينارين  كما هو مكتوب    هنا على القارمة , يا خالتي “ .  وسألت “ هل البرتقال حلو , أنا لا أحب الحامض كثيرا “  . فتح لي حبة نظيفة وقال بثقة  :  “ذوقي أنا لا أكذب , قبل شوية , أكلت واحدة  “ ,. وبالفعل  كان المذاق حلوا مثل وجه الولد . أحضر البكسة ووضعها من الشباك على الكرسي بجانبي . لاحظ نفخة بسيطة في يدي جراء التهاب بسيط , وسالني : “ خالتو , لماذا يدك منفوخة ؟ قلت من التهاب بسيط سيزول . وهل ذهبت للطبيب  وأخذت الدواء, ومتى تشفين ؟ سلامتك  . “  دخل أعماق قلبي هذا الولد الذي أثار اهتمامي وفضولي وبخاصة هو ممن  يعملون في الشارع  في هذه السن الصغيرة . استفسرت إذا كان يذهب للمدرسة , وأسعدني أنه يعمل مع أبيه فقط  يوم العطلة وأكد أنه شاطر في دروسه . شكرته وهممت بتحريك السيارة , فقال بأدب : “ هل يمكن أن تحضري لي ساندويشة ,” ودلني على المطعم الذي يتعامل معه على بعد ميلين , وأنه يريد  فطيرة دجاج وزجاجة سيفن أب .  قلت في نفسي , هذا الصغير يستعمل ذكاءه بطريقة مكر ليوفر عليه ثمن الطعام . ولكنني خجلت من نفسي لأنني أسأت الظن به  وهو  يضع على الكرسي  دينارا وعشرة قروش ثمنها ,  ثم قال,لا ثمنها دينارا وخمسة عشرة قرشا , للأمانة . حاولت أن أقنعه أنني ساوصله للمطعم الذي دلني عليه وإن كان خارج طريقي , ولكنه أكد لي أنه لا يستطيع ترك المكان , لأن أولاد الحرام كثر هذه الأيام .  فكيف بربكم أرفض خدمة هذا الولد الجائع الذي يعمل  ويقوم بواجبه . رفض أن أحضر له ما طلب على حسابي , إذ قال “, أنا أعمل , وأنت دفعت ثمن ما اشتريتي . شكرا لك .” ؟ لم أغب  طويلا قبل أن اعود له بطعامه , المفضل , الذي شعرت أنه بحاجة له . وكانت سعادتي كبيرة أنني عملت شيئا نافعا ذلك اليوم . 


 هذا الولد الذكي الأمين على أموال أبيه وعلى  حسن التعامل مع الناس , يبشر بمستقبل ناجح  نريده لأطفالنا . فهو كما يبدو ابن عائلة ربته على التعامل بالدفء  والأدب مع  الأخر ,  كما يعامله أهله .  بالاضافة  فهو يتحمل مسؤولية نفسه .


 إن تعليم الأطفال دروسا من الحياة الحقيقة والتعامل مع الناس ضروري بشرط أن لا يتعارض مع المواظبة على المدرسة    وأرى ذلك مكملا للعلم والثقافة    وبخاصة أنني أؤمن بضرورة عدم تسرب الأطفال من المدارس لأي سبب كان . 


  . وفي عالم سريع التغيّر تفرض  العولمة والتكنولوجيا استبدال الانسان بالآلة وتوابعها  التي تسبب قلة التواصل الاجتماعي  بلا شك , ستؤدي الى  نهاية شرب عصير البرتقال  طازجا  يبيعه انسان ونضطر لشرب عصير البرتقال مع المواد الكيمائية الحافظة من الكرتونة  بدل شرائها من  ولد “وجهه زي القمر وذكي  “ أقنعني أن هناك جيلا جديدا في المجتمع يمكن أن يبني المستقبل بالتواصل الانساني والتربية السليمة    كما هي شخصية هذا الولد المحببة والتي اراها ناجحة في المستقبل . . ؟ 

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment