جبل عمان، بجغرافيته من شوارع وأزقة وأدراج وبيوت حجرية ومؤسسات ومدارس كان بطل كتابي الموسوم ( بنات عمان أيام زمان : ذاكرة المدرسة والطريق)، الصادر عن دار السلوى، عمان 2007. بالاضافة فلأن المكان لا قيمة له دون الإنسان الذي عاش فيه وصنعه، كان الإهداء في كتابي : “ إلى عمان الجديدة أمس في الخمسينيات من القرن الماضي ( المكان والانسان ) اللذين أصبحا عتيقين يحملان ذاكرة فيها عبق التاريخ الى جيل الشباب أحفاد الحمسينيات وأجداد المستقبل في “عمان الجديدة “اليوم متجددة الشباب والعطاء.. علّه يقرأ الماضي والحاضر والمستقبل في (مكان وزمان ) متغيّر ليواصل السيرة والمسيرة مع عمان التي نحب.. “. هذا الإهداء أجدده اليوم والكتاب سيصدر في طبعته الرابعة قريبا وبخاصة أن حبي لعمان، كما اليوم لم تفتر سخونته..
عشت في الكتاب مع الناس في عمان الخمسينيات، فالمكان، كما الانسان كان غيره “أيام زمان “ وأصبح هذا الجزء من العنوان مرتبط بي. وكان صدر قبله كتاب عبد الرحمن منيف، “ سيرة مدينة “ عن الاربعينيات، وقد كمّل الكتابان بعضهما البعض، مع خصوصية كل كاتب. الا أن “ بنات عمان “ ظل له ميزة ’ كونه عن ذاكرة شريحة من ناس عمان وحياتها الاجتماعية، العائلة والمجتمع والمدرسة، التي لم يكتب عنها أحد في السابق. ليصبح ذاكرة جيل كامل أو جمعية.
سعيدة أنا، لأن الكتاب والذاكرة الشابة التي استرجعتها في “بنات عمان “، حفزت الجميع للعودة للذكريات الخاصة والجمعية، وذكرني مؤخرا بها أمين العاصمة الذي استقل الباص، من مرج الحمام الى قاع المدينة ليشجع التقليل من استعمال السيارات الخاصة الكثيرة اليوم والشحيحة بالامس.. فالباص الذي كنا نحن بنات عمان نستقله من أمام مبنى البريد الى مدرسة زين الشرف الثانوية في جبل عمان، كانت متعة لا تضاهيها متعة أخرى وبخاصة ونحن نشترك مع طلاب الكلية العلمية الاسلامية والمطران، حيث كان المجتمع تقليديا لا يشجع الاختلاط. ولعل النظرات البريئة في سن المراهقة، والموصوفة في الكتاب، ما جعل ذاكرة ذلك الجيل تسترجع حوادث خاصة بها يعتبرونها أياما كانت سعيدة لبساطتها وعفويتها في التواصل الانساني.
جبل عمان،، كان الأجمل بين الجبال السبع، إذ بدأت البيوت الجميلة الحجرية تزيّنه بالاضافة للبساتين الملونة بالازهار والورود، التي أصبحت لها خصوصية في عمان اليوم رغم شح المياه. جبل عمان الذي أخذ بالازدهار، بدءا من شارع خرفان، حيث مدرستي الابتدائية قبل بناء مدرسة زين الشرف الثانوية 1952 في موقع كان الأجمل والارحب في عمان على أراضي بستان أبو شام. وكان يعتبر بعيدا عن قلب المدينة، وفيه الطيور” والواويات “ التي حذرونا منها ليلا.
جبل عمان أصبح اليوم منطقة تراثية، بعض شوارعه تحمل أسماء من بنوها، والبعض الآخر انطمس بسبب هدم أو تحويل البيوت الى مطاعم أو مؤسسات تجارية بسبب التغير في طبيعة الحياة الاجتماعية المتسارعة. ليس كما كان ولا هم ساكنوه. بقيت بعض الدور الجميلة، واختفت البساتين التي كانت مصاغ المدينة الصبية، ومنها بستان الغريب وبستان البلبيسي، وبستان بيت الشريف زيد والقاسم والعودات والتي يقام عليها “ سوق جارا “.
عمان امتدت على الجبل العريق، وحتى الدوار الثالث لتشهد معالمه المتبقية على عمان التراثية “ الجديدة القديمة “. شعرت وأنا أكتب ( بنات عمان أيام زمان ) بأن عمان الصبية ستنضج وتكبر وتتوسع بحجارتها البيضاء لتصبح فيها المولات والسيارات الاكثر من كثيرة، لأنها تنمو بشكل دائم. المشاعر الحميمية التي أحملها لعمان اليوم ولذاكرة مدينة أمس عميقة، محبة لم تتغير !!