ليس غريبا أن تقوم سلطات الاحتلال بايقاف مقدمي برنامج ,( صباح الخير يا قدس ) عندما داهمتهم في ( مكتب بال ميديا ) في القدس يوم الجمعة الماضية . ولا أرى في ذلك شيئا جديدا لمحاولة قمع الصوت الفلسطيني الواعي والحي مما أثار غضب اسرائيل , العقاب كان لتقديم البرنامج فقرة حول اضراب الاسرى الاداريين , المضربين عن الطعام منذ 44 يوما . وهو موضوع يتابعه الرأي العام المحلي والعالمي ولم تستطع اسرائيل بكل اجهزتها الامنية والقمعية الغاضبة من ايقاف الاسرى عن مواصلة الاضراب , الذي يعرض حياتهم للموت ويوضح للعالم شجاعة واصرار الأسرى عدم التراجع عن نضالهم المشروع .. اسرائيل تبحث عن المضايقات التي تستهدف الصحفيين بحجج واهية , خوفا من نشر الصور للعالم عن ممارساتها غير الانسانية ولم تستطع كبح جماح غضبها على الاعلام الفلسطيني , وبخاصة , وبرنامج( صباح الخير يا قدس ) يبث لاول مرة بعد” الوفاق الوطني .”
التهمة الموجهة للفلسطينيين كانت ولا زالت التحريض ضد السلطات القمعية , وهي تناقض نفسها أمام العالم “أنها دولة ديمقراطية “ , متناسية أن الاحتلال نفسه وبكل ممارساته عملية استعمار . وبالرغم من أن التاريخ لا يعيد نفسه , الا أنه بالنسبة للتعمل مع الصحافة والاعلام الفلسطيني , والأسرى في السجون والمعتقلات , يعيد ويجدد نفسه بأساليب قذرة وادعاءات واهية .
وبالعودة الي التاريخ الفلسطيني , فترة الانتداب البريطاني ,نجد تشابها في موقف الأسرى الفلسطينيين بالامس والتي أسمتهم الصحافة “ بالاحرار “ و نجد أهمية دور الصحافة من جهة وخوف السلطة منها , ونضال الشعب الفلسطيني بالاضافة , لسطوة الجلاد وقوانينه التعسفية من جهة أخرى . ولعل أوضح صور كانت في عقاب الصحافة الفلسطينية خلال اضراب الشهور الستة 1936 . ففي “ اليوم المائة “للاضراب 1936 , نشرت جريدة (فلسطين ): مقالة بالانجليزية جاء فيها “ من عجائب الدنيا ليس اضراب عمال لزيادة رواتبهم , لكن اضراب أمة من أجل حياة وشرف “ . وكتبت الجريدة : “ إننا قوم احترف التضحية والفلاحون أشد طبقات الامة مقاومة للصهيونية “ . موقف الصحافة كان قويا اعتبرته السلطات البريطانية “ تحريضا “ وكانت صور المعتقلين الفلسطينيين يحرج بريطانيا , وكان للصورة المنشورة في الصحافة التقليدية آنذاك تأثير كبير على الشعب , فكيف بوسائل الاعلام الحديثة والالكترونية والتليفونية ومواقع التواصل الاجتماعي اليوم والتي تبث الصورة والكلمة التي لا تكذب وتنتشر بسرعة البرق .؟
في الماضي كما اليوم , اعتبرت الصحافة الفلسطينية إغلاقها ووضع القوانين الجائرة ضدها “أوسمة “ على صدرها . وكانت الصحف تتكامل في دعمها لبعض عند تعطيل إحداها متحدية السلطة . ففي سنة الاضراب , نشرت جريدة (فلسطين ), قائمة بعدد وتواريخ التعطيل والأسباب مفاخرة . كتبت تحت مانشيت كبير : “غضب السلطة “ وفاخرت أنها عطلت” خلال فترة الاضراب , 51 يوما “. وجاء في الاسباب :” مقالات شديدة اللهجة . أخبار عن مؤتمر رجال البوليس , مقال افتتاحي عنوانه “ روح الشيطان “ على أثر هدم مدينة يافا , مقال افتتاحي بعنوان “ المرحلة القادمة في جهادنا القومي , مقال افتتاحي يتعلق بالاحكام العرفية. “
ما يثير غضب إسرائيل اليوم اصرار الأسرى في سجونهم المتناثرة في كل مكان , هو عدم خوفهم منها , وما يغضبها اليوم أيضا الصحافة والاعلام الجديد التي أصبحت فيه الصورة أكثر وضوحا لمن لا يعرف عن الأسير الفلسطيني البطل والشجاع الذي يقدم روحه الغالية لارضه والصحافة والاعلام تسميه بالشهيد والمناضل والبطل وهو من كل بقعة من فلسطين . فصباح الخير لك أيها الأسير الفلسطيني الحر , وصباح الخير لك يا قدس . !