كثرت في العقدين الأخيرين مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام . وقد عرف المجتمع المدني بعدة تعريفات، أنسبها المفهوم الذي يقول بأنه “المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التطوعية المستقلة “ نسبيا “عن سلطة الدولة. والبعض يعتبرها مكملة للمؤسسات الرسمية كونها تتميز بحرية أكثر في العمل ينضم أفرادها الى مجموعة منظمة بمحض ارادتهم وبشكل طوعيّ ، أ ي لا يتقاضون أجرا على العمل. وأيضا يتميز المجتمع المدني عن التكوينات الاجتماعية الموروثة مثل الاسرة والعشيرة والقبيلة، لأن الفرد أو العضو ليس له حرية الاختيار بشأن قبولها أو رفضها، فهي مفروضة عليه، ولها خصوصياتها.
التطور الكبير الذي حصل للمفاهيم والمبادرات والأهداف والنشاطات يبدو واضحا وهو غيره عن نشاطات مؤسسات المجتمع المدني حتى العقد السابع من القرن الماضي حيث كانت “الجمعيات الخيرية “ تقوم بها بشكل خاص وانحصرت في” عمل الخير” ومساعدة الفقراء والنشاطات الانسانية وبشكل فردي أو جماعي لتكمل أو تتعاون مع “ وزارة الشؤون الاجتماعية “ كما انحصرت في النشاطات التي تقوم بها النساء أكثر من الرجال، ومن كبيرات السن أكثر من الشباب وخاصة في المجالات الانسانية..
في هذه الأيام نرى التغيير بالاقبال على الأعمال التطوعية أو الريادية الهادفة من قبل الشباب كبير في نشاطات المجتمع المدني في جميع الحقول، وليس فقط الانسانية وأعدادهم تتزايد. فمثلا مبادرات الشباب واشتراكهم في النشاطات المتعلقة بمركز الحسين للسرطان، إحدى المؤسسات غير الربحية، كبيرة بين الشباب ولعل إحدى الأمثلة تبين ذلك بقيام فريق بتسلق جبل إفرست، وجبل كليمنجارو، من أجل جمع الأموال لدعم المركز لاتمام بناء التوسعة الجديدة قيد البناء. كما أن المبادرات الشبابية الاقتصادية تتزايد بانشاء تجمعات، لدعم المشاريع الصغيرة، أو الابداعية و التبرع بجزء أو كل دخل الكتاب للأعمال الخيرية، أو المشاركة والتبرع بالجهد والقدرات مثل تنظيف وتزيين الشوارع والحارات برسومات الجرافيتي، أو القيام بالمنافسات الرياضية من أجل قضايا تتفق مجموعة من الشباب على أهدافها.
بالاضافة فالمبادرات باقامة المشاريع بدل انتظار الوظيفة في تزايد. ولعل هذا ما لفت نظري في اقبال الشباب الجامعي على تأسيس مشاريع مدرة للدخل، وبهذا يساهمون ليس فقط بالاعتماد على النفس، بل أيضا في تغيير السلوكيات المتوارثة كثقافة العيب التي لها تأثير سلبي كبير على الشباب.
أعجبني شاب في مقتبل العمر وجدته سيد نفسه في عمله في ورش البناء، حيث يقوم بعمل “ المتعهد “ بتشغيل عمال في الطراشة وهو خريج جامعي، في الأدب الانجليزي – ولم يشفع له شكسبير لإيجاد وظيفة – ثقته بنفسه ما جعلته مميزا ليصبح صاحب مشروع وإن كان صغيرا، ويقول “ كنت أقوم بأعمال تطوعية حتى أنشأت مشروعي “. لقد حقق نفسه “بالعمل “ فالعمل سواء أكان تطوعيا أو بأجر يحافظ على سلامة الصحة النفسية وبخاصة في ظروف غير عادية بتأثير ما يجري في المنطقة من عدم استقرار.العمل التطوعي بلا شك يجعل الانسان أقوى وهو ينتمي الى مجموعة يلتقي معها بالاهداف، بالاضافة فالشعور بالعطاء يحميه من أزمة نفسية لحين إيجاد عمل ليجمع بين ما هو شخصي وعام وهذه هي إحدى الحلول المرحب بها وإن تطول للبعض!!