الندوات والاجتماعات والمحاضرات حول فلسطين والقدس التي تقام بشكل متواصل منذ النكبة أو قبلها لا يمكن حصرها لكثرتها . وتأتي هذه لأهمية الاعلام في التأثير على الرأي العام سلبا أو ايجابا . ورغم دور الصحافة الفلسطينية( الكرمل، 1908) وفلسطين ( 1911 ) وغيرهما، كانت السباقة في فضح الاهداف الصهيونية ونواياها الاستعمارية المبكرة ، وبالرغم من تطور وسائل الاعلام التقليدية وأدواته لتصبح اليوم رقميّة سريعة الانتشار فما زال الاعلام العربي، يواجه الاحتلال الاسرائيلي بالاساليب غير الفاعلة وبشكل خاص “ قضية القدس “.
نرى اليوم المزيد من الندوات المتعلقة” بالقدس والاعلام “، وفي هذا السياق فقد تحركت مؤخرا 60 مؤسسة أوروبية دولية لوقف “ التطهير العرقي في المدينة المقدسة “ ناقشوا الموضوع مع أهمية الاعلام في ندوة عقدت في البيرة، في الضفة الغربية ووضعوا توصياتهم التي تبدو وكأن موضوع الاعلام يناقش لأول مرة علما بأن أدوات الاعلام العربي وآلياته أصبحت متطورة وتصل أنحاء المعمورة، كما أليات إسرائيل مع الفروق في كيفية استعمالاتها . طلب المجتمعون، “ فتح مواقع الكترونية ومراكز صحافية، وبناء علاقات مع الصحفيين العالميين العاملين في القدس . كما طالبوا بوضع قاموس مصطلحات فلسطينية خاصة، تكرس الرواية الفلسطينية وتضحد الرواية الاسرائيلية . “
وبالمقارنة، مع الاعلام الصهيوني سابقا ولاحقا، نجد بأن الصهيونية أولت أهمية خاصة لوسائل الاعلام منذ نشأتها في التأثير على الرأي العام المحلي والعالمي، واستغلتها لتحقيق أهدافها سلبا أو ايجابا . فمنذ العام 1897 وبشكل خاص أثناء انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول في سويسرا، وضعت الصهيونية استراتيجية اعلامية وخططا بعد دراسات ونفذتها و تمكنت الوصول الى يهود العالم لخداعهم وجلبهم لفلسطين التي أقاموا عليها دولتهم “القومية “ بعد وعد بلفور، 1917 . فالخطة الاعلامية خاطبت الأفكار والمعتقدات والحالات النفسية والسيكلوجية جنبا الى جنب مع التخطيط الشامل فبي المجالات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية . ورغم عدم الجديد في هذه المطالب، فقد يكون هناك مبررا وضرورة لعقد مثل هذه الندوات، ليس لوضع التوصيات، بقدر ما هي للتذكير، أن هناك قضية قديمة ومعقدة، لم يوجد لها حل، وبخاصة وقد همشت وضاعت في خضم الاحداث المتزاحمة في المنطقة العربية، المتأثرة بالاحداث العالمية، وأطماع القوي المتنافسة على خيرات العالم ناهيك عن الممارسات الاسرائيلية المستمرة لطرد أو قتل العرب، بل ابادتهم إن أمكن ؟
من الملاحظ أن قضية القدس، وكيفية تناولها من الصحفيين الاجانب، أن الكثيرين منهم يعكسون بتحيز وجهة وعقيدة وفكر الحركة الصهيونية، التي وضعت الاستراتيجية الاعلامية، لتظل مخلصة لها . وتجد أن لليهود وللصهيونية وإسرائيل قاموسا “ ومصطلحات “ يستعملونها بشكل متكامل . فمثلا لا يرى المتحيزون لاسرائيل، بالممارسات التي يقوم بها الاحتلال في القدس وفلسطين هولوكوست، بينما يعرفون الهولوكست اليهودي بعمل ضد الانسانية وقد أصبح المصطلح مرتبط بهم . ولا يصفون طرد المسلمين والمسيحيين من بيوتهم وابدالهم باليهود كتهويد واضح وتطهير عرقي . بالاضافة، فأنهم لا يحترمون في تحليلاتهم أهمية القدس للديانات السماوية، ويبررون استباحة الحرم القدسي ومنع المسلمين والمسيحيين من الوصول الى أماكن العبادة . بالاضافة يبررون ويعزز الكثير منهم ما تقوم به اسرائيل من حفريات تحت الحرم الشريف لخلخلته وهدمه لبناء الهيكل مزعوم.
نعم، هناك ضرورة وأهمية لاستعمال وسائل الاعلام التقليدية والجديدة من صورة وكلمة، وايصاله للعالم، مع توثيق الرواية العربية بالمعلومات العلمية والدراسات التي تشير، بأن القدس لنا، وبأن أسرائيل تزّور التاريخ والحقائق، لأنها اتقنت انتاج واستعمال أدوات الاعلام . والسؤال دوما : كيف نطبق توصيات الندوات المتعلقة بالاعلام، وليس متى نعقد الجديد منها . ؟