كل صباح أشرب كأس ماء “على الريق “, وكما هي نصيحة الأطباء – لصحة جيدة -. ولا أدري وأنا أقوم بهذه العملية لماذا أتذكر “ طاسة الرعبة “, والتي أحتفظ بها بين مقتنياتي التراثية القليلة . ولمن لا يعرف عن طاسة الرعبة فهي عبارة عن وعاء صغير الحجم مصنوع من النحاس , منقوش على جدارها الداخلي كلمات وآيات قرانية وبعض الزخارف . وكانت هذه الأنية “ أيام زمان “ تستعمل ليشرب منها الطفل أو الانسان الخائف أو المرعوب ,” كدواء “ ليشعر بالامان النفسي وتستقر حالته الذهنية والجسدية جراء “ خضّة “ أصابته أو رعب من غول خرافيّ أو كلب هائج , أو شبح يخرج من تحت الأرض إذا ما مر بجانب قبر أو مزار وكما جاءت في التراث الشعبي العربي .
كأس الماء الموضوع على المنضدة بجانب السرير التي تحمل” الراديو “-,مفتاحي للعالم الواقعي- والذي يأتيني بالاخبار المبكرة كل صباح , أجدها تشبه طاسة الرعبة التي كان يشرب منها المرعوب ليشفى . في يومنا هذا من كل صباح “ يأتينا الخبر “عن حوادث دامية جراء ممارسات اسرائيل ضد الفلسطينيين المحبوسين تحت الاحتلال , والأسرى المحبوسين في ظلام السجن والاعتقالات المتواصلة في جميع أنحاء الارضي الفلسطينية بحثا عن” الثلاثة “ المخطوفين بشكل خاص . فكل يوم منذ اختطفوا والرعب يسكنني سواء كنت نائمة أو لا , خوفا من المزيد من أفعال إسرائيل الاجرامية . ومع أنها ترعبني خوفا على الصامدين تحت الاحتلال , فهي لم ترعبهم أبدا وهم يقاومون هذا التنكيل والوحشية ضد الاطفال قبل الكبار , بالاضافة هناك أحداث دامية وواضحة ومتنامية في العراق والشام واليمن , وأحداث مخفية تتفاعل وتسير بشكل مثير للخيال في عالم حقيقي ّ وليس خرافيّ ينتمي الى المعتقدات التراثية الشعبية الغامضة هنا وهناك .
الرعب , هو الصفة النفسية السائدة للفرد والجماعة , كما يبدو في مجتمعاتنا العربية التي” ثارت “ على أمل الأمن والاستقرار النفسي والمعيشي ، والغموض الذي يلف مجريات الأحداث , وردات فعل “ الدول الكبرى “ اللاعبة على الساحات العالمية و منطقتنا العربية , وهي تبحث عن مصالحها في الدرجة الاولى ما يزيد الطين بلّة . الخوف يزداد و الناس تتخبط بالكتابة والتحليل والقول وهي تتساءل عما يجري في كل الأمكنة .
رعب حاضر في فلسطين , غير الخوف على البشر من العدو الوحش يخيفنا وهو” امكانية “ انهيار عملية الصلح والتصالح التي تمت بين الفلسطينيين والتي اثلجت الصدور .فالتناقضات في المواقف والأقوال ودور أمريكا الذي يغيب ويحضر واستمرار سياسة اسرائيل التهويدية, لا زالت تبعث على عدم الرؤيا الواضحة للأكثرية من الحريصين على استمرار هذا الوئام الذي يحلم به الفلسطينيون. يلفنا رعب دائم دون رؤية صحيحة عن الواقع والمخفي هنا وهناك . البحث اليوم ضروري للعلاج السريع ليس بواسطة “طاسة الرعبة “ إياها , فلا بد من علاج للشفاء من كأس مملوءة بالماء النظيف علّ الرعب يزول من غول قادم . ! والله أعلم !