من تسّمر أمام الاعلام منذ الحرب على غزة – مثلي – يخال أنه يأخذ راحة وقتية مع “هدنة ال72 ساعة “ ليستريح قليلا فيها ويلتقط أنفاسه كما حامل السلاح . ليستريح ليس فقط من المجازر وصور الدمار والدماء فحسب بل من الاكاذيب الاسرائيلية المستمرة التي تحبكها سرا وعلانية . إلا أن الرأي العام العالمي الذي يبدو كمشارك في متابعة ما يجري في غزة لم يأخذ راحة فالمساعدات متواصلة لارسال المعونات العينية لغزة وأيضا ما زال الكثيرون في شوارع العالم ، يلفون أجسادهم بالعلم الفلسطيني الذي أصبحت ألوانه ورموزه معروفة كدعم للمقاومة. وفي هذه الهدنة لوحظ أيضا استغلال الوقت لانتاج أفلام وثائقية قصيرة لتوثق الحرب والمجازر والضحايا الكثر من الاطفال الذين أصبحوا بلا مأوى .و أيضا انتاج الاناشيد الوطنية والاغاني ، وانتاج “الادب السريع “ليسجل المهتمون موقفا وطنيا في هذه الحرب الدموية القذرة ، علّها تكون مرجعا للأجيال القادمة . وفي هذا السياق ، فقد أفرزت الحرب على غزة ابداعات للشعراء من الاطفال والشباب ، للتعبير عن الحقائق المؤلمة .
بالاضافة لم توقف كثير من وسائل الاعلام برامجها السياسية التحليلية ، والقاء الضوء عما سيحدث بعد الهدنة التي بقي لها اقل من 24 ساعة . وهنا أريد التوقف عند دعوة الجزيرة وغيرها لاسرائيليين ليدلوا بدلوهم باسم احترام “الرأي الآخر “ وليقيّموا الحرب الثالثة على غزة والتي ثبت أن لا أهداف لها وبخاصة وقد فاجأتهم بالتغيير النوعي لعمل المقاومة ، بما فيها حماس التي لا زالت تغيظهم وان ظلوا يعتبرونها “إرهابية “ . وهذا بالطبع من أجل ايجاد تفرقة بينها وبين المقاومة الفلسطينية بكل عناصرها الموحدة .
ما يشوه تغطية الاخبار و ندوات (الجزيرة )” الجيدة “ و المستمرة في فضح المجازر الاسرائيلية والسياسة الاسرائيلية ، هو دعوة “ضيوف اسرائيليين “، جلّهم غير حياديين ولا موضوعيين. يأتون وبكل تحيّز للدفاع عن سياسة اسرائيل العنصرية وبصوت عالٍ ، بينما في الحقيقة أن هناك انقساما في اسرائيل وحوارات مع نتنياهو وأهداف الحرب التي فشل في تحديدها كما نقرأ من ترجمات الصحافة الاسرائيلية . برز برنامج على الجزيرة مؤخرا عنوانه “ الاعلام الاسرائيلي “ وهو يهدف لايصال آراء الاسرائيليين ، من معارضين وغير معارضين حول القضايا الهامة المتعلقة بسياسة اسرائيل . ما يزعجني “ جدا” هو بث النقاشات “بالصوت والصورة “ و يعني هذا أنك مجبر على سماع النقاش” باللغة العبرية “ التي لا تفهمها ، رغم أن هناك ترجمة عربية مكتوبة على اللوحة . أجد ذلك وكأن البرنامج يعطي” للغة العبرية “ منبرا ، لتصبح مقبولة من” الأذن والعين “ وبخاصة لأهمية اللغة كأداة ثقافية بامتياز . أجد أن ذلك سهّل على اسرائيل ابراز اللغة العبرية التي تحاول اسرائيل فرضها على العالم منذ زمن طويل وجعلها لغة” عالمية حيّة “ وبحجة ممارسة الديمقراطية الاعلامية . .
وكما هو معروف ، كان التحيّز البريطاني الاستعماري للصهيونية ، واضحا تحت الانتداب البريطاني ، 1920-1948 . وقد جعلت اللغة العبرية لغة رسمية مع الانجليزية والعربية ، رغم أنها كانت لغة ميتة تقرأ ولا تكتب ولكي تجعلها مساوية اللغة العربية التي وجدت منذ زمن الكنعانيين الاصليين سكان الأرض الفلسطينية منذ سبعة الاف عام .
هذه الوقفة أو الهدنة للاستراحة والتقييم ، من الجهات المختلفة والمتعددة ، يجب أن تدرس من الجميع وبخاصة ، من المتوقع أن تستمر اسرائيل في حربها العدوانية “ المتقطعة “. لندرس كيف يمكن توظيف المكتسبات التي حققتها المقاومة الفلسطينية بالاضافة لتعزيز التغيير الايجابي في شوارع العواصم ، بل مدن القارات الخمس وزيادة الوعي ّ وكيفية كسب المزيد من الانصار الذين باتوا يعرفون أكثر ، بل ويعملون أكثر ، مثل الدعوة لمقاطعة البضائع الاسرائيلية ، أو الجامعات الاكاديمية “ لاسرائيل المحتلة “. ومن هذا” المنبر “أدعو( الجزيرة ) وغيرها لعدم ممارسة الكرم العربي في هذا المجال ، وعدم اجبار المشاهد على سماع اللغة العبرية “غصب عنا “ وتكتفي كالسابق بترجمة الاقوال ، بصوت عربي ، نفهمه ونحبه وليعبر عما يجري بالصوت والصورة الموضوعية . ولعل الجزيرة تأخذ بهذا الاقتراح لتريحني في الهدنة النفسية المؤقتة أيضا . !!