يلاحظ اليوم، أن الكثيرين لا يفضلون البقاء وحدهم في خضم الأحداث الكثيرة العامة، والمصيرية على المستوى الشخصي والعام . يقوم البعض وهو بكل وعيه بالبحث عمن يجعله يشعر بالامان في مجموعة يعتقد أنها ستساعده على” ايجاد نفسه “. يبدو هذا واضحا للكثيرين الذين يهربون من أنفسهم، لعدم انسجامهم مع” الأنا “أو الذات . هذا ما لاحظته في كثير من “الجلسات”، إذ تشعر بشيء خفيّ مشترك بين الجمع في حضورهم وغيابهم . . وقد يكون ذلك من الصفات الانسانية العالمية وليست كما يظن الفرد أنها وليدة اليوم . ولعل ما عبر عنه الكاتب العالمي تولستوي قبل أكثر من قرن من الزمن، في” المذكرات “ : “ إن أهم حدث في حياة الانسان هو اللحظة التي يعي فيها أناه … “ . يقول هذا مبدع ملتزم بحبه للحياة والعمل والانتاج وليس معنا اليوم الا في ابداعه. ويظل السؤال، كيف يمكن للانسان أن يجد اللحظة التي يجد فيها “ أناه” في وقت تطغى على الانسان الأحداث التي تؤثر في حياته وحياة الأخرين كما حالنا اليوم .؟
الكثيرون كما أرى أصبحوا يتعاملون مع أدوات العصر التكنولوجية من انترنت وموبايل وأدوات الاتصال الاجتماعي . يشاركون في التعبير عن النفس أو الذات في كتابات وابداعات ينتجونها أو يقتبسونها بشكل سريع لكي تسير مع الحركة شديدة السرعة التي تفرضها أدوات العصر التي سمحت للتواصل الاجتماعي، ما يجب أن نتوقف عنده قليلا، ليس لنقاشها كأداة، بل لما تحمله من مضامين وانتاج ابداعي أدبي وفني وموسيقي ومن صورة بصوت أو بغير صوت . ولا شك أن وسائل الاعلام والاتصال الحديثة، ساعدت على تحقيق الذات أو الأنا، للكثيرين، حتى وإن لم يكونوا مبدعين إلا أن هذا التواصل ما جعلهم” ينتجون “ . لم أكن قبل بضعة شهور من” عشاق “ الفيس بوك وكنت لا “ أتعاطاه “ خوفا من تضييع الوقت . الا أنني بعد الاندماج ، بهذا التواصل شعرت بأهميته، حيث يجعلك” صديقا “ لمئات من الأفراد والجماعات بشكل واسع بالإضافة الى الاتصال بشرائح اجتماعية وفكرية متنوعة وبخاصة أن التواصل” العمومي “ في كثير منه هو” للتواصل الاجتماعي “. وهنا لا بد من القول، إن الانتقائية ضرورية . وقد وجدت أن التواصل مع البعض، ليس فقط لحظة هامة، بل فيها متعة وتفاعل انسانيّ جميل دون تكلف .
من تجربتي الخاصة، فقد وجدت بين الاصدقاء” الجدد “مبدعين يستحقون متابعة التواصل معهم، بل باحثين، إذ يقوم البعض بايصال معلومة أو نص أو صورة أو فيديو، يحمل الجديد، وتشعر أن التواصل أصبح اضافة ثقافية تعزز الذات وتزودها بطعم خاص من التواصل . إن خاطرة سريعة، أو قصة قصيرة جدا، أو شعر يأتيك بشكل متتال ومتواصل ما يجعلني، أتفاعل معه وإن كان بشكل” انتقائي” . وفي كثير من الاحيان، اقف مع ذاتي أكثر من” لحظة “ مع الجديد . وجدت أن هناك فرصا للاكتشاف ودراسة “ذوات الاخرين “ مهما كان نوع المشاركة. أشعر أحيانا أنهم يقومون بعملية وقوف مع النفس بفعل يعني للبعض أنه ضروري، وأجد أن هذا ابداع بحد ذاته .
تملي طبيعة ألية التواصل أن يكون الفعل مختصرا، وفي الحقيقة ، قد يقود الاختصار الشديد في تبادل الاراء الجادة الى طريق خطرة . ميزة هذا النوع من التواصل، هو أن يسمح للفرد أن يكون حرا أو ديكتاتورا، حسب حالته النفسية، وهذا يعني أن هذه الادوات القابلة لمزيد من التغيرات أو التطور يمكن أن تكون مرضا إذا ما أدمن الشخص عليها أو علاجا نفسيا للكثيرين “لفش الغل” والتعبير أو البحث عن الأنا . نحن نعيش في عصر السرعة التي أصبح يؤثر على الأفراد فهم لا يتواصلون مع بعض شخصيا بالاضافة فهم لا يقفوا طويلا مع” الأنا “لتقويمها من مدة لأخرى أو اعادة الانا- وهذا لا يعني حب الذات المغلق – التي قد تضيع مع الآخرين دون تحقيق الذات وهذا ما يجب أن نلاحظه . !!!