خلقت غزة في صمودها البطولي في الحرب القذرة الاستعمارية الصهيونية على القطاع  “رأيا عاما”    يشترك فيه أغلبية الناس ,  فقد امتزجت الأفكار بالعواطف واختلطت التحيزات بالحقائق , وتصارعت المصالح والمبادئ, وهو بالطبع ليس  رأيا “كليا أو مطلقا”  بمعنى الكلمة . فالرأي العام من الناحية العلمية ,  ليس هو  “بالرأي الاجماعي” كما يتوهم البعض وانما هو” رأي جماعيّ “, أي رأي الجماعة بشقيها ,  من “مؤيدين ومعارضين “على السواء .

وفي خضم هذا التصارع المتنوع في” بلادنا العربية “  الذي يعيش عصر انحطاط عربي بامتياز ,إذ تتصارع فيه النعرات الطائفية كمسلم ومسيحي  أو,  مؤيد للسلطة الحاكمة والمعارضة , أو سني وشيعي وبين سلطات عسكرية أو  مدنية , فقد اغتنمت إسرائيل الفرصة لتعلن الحرب على غزة علّها تقضي على  من أثبتوا أنهم يواجهون عدوا ليس للفلسطينيين فحسب بل للعرب جميعا و للانسانية بكل ما فيها من معان .


الحرب على غزة ليست مفاجئة  كما نعرف , فسياسة اسرائيل كانت دوما تترصد متى تبدأ الحرب على القطاع الذي وقف في وجه اسرائيل وصمد في حروب ثلاث  لكي يتنازل عن  أرض الاجداد ,  المحتلة فلسطين.  ولأن غزة اختارت استراتيجية الصمود والمقاومة , فقد طفح كيل اسرائيل وأمريكا ومن لف لفهم علّهم يضعون حدا لهذا الحلم باعادة فلسطين . ومن جهة أخرى , لقد صدمت في هذه الأيام وأنا اناقش  أفرادا من “مجموعات رأي عام “  بيننا يخلطون” الحابل بالنابل “ في تحليلاتهم السطحية ومواقفهم المتأرجحة والتي تميل حيث الريح تميل . وصعقت وأنا اسمع تحليلات وعنجهيات مغلوطة  , في خضم هذا الانحطاط , الذي يعمي عيونهم عن لون الدماء التي تسيل  من رؤوس الاطفال المقطوعة  . هم يتبجحون  بأن الصمود هذا , يسبب هذه المجازر ويقولونها “بلهجة شماتة “ .  يقولون  صراحة أن عدوهم هو حماس- وكما تقول اسرائيل-  والتي تعتبرغزة بكل اهلها ودورها عدوة ولذلك تضربها بوحشية لا مثيل لها في التاريخ .  السائرون ضد السرب , لا يرون أن غزة تقاوم العدو من أجل فلسطين بكاملها وتقوم بذلك نيابة عنا .  شعب غزة بكامله من نساء وأطفال  ورجال وشيوخ  يموتون  من أجل جميع الفلسطينيين أينما كانوا رغم حجم ا المعاناة من جراء الحصار  . هؤلاء الذين صدموني , وهم يحللون تحليلات لا عمق فيها , الا ما بقي  في قشرة “ عقولهم المغسولة .” والذين لا يمكنهم رؤيا واضحة للحاضر والمستقبل  لا بالعقل والعاطفة- ميزة الانسان الانسان- في عصر المادة والمصالح الشخصية .


غزة يجب أن تفخر , كما  نفخر بها اليوم  , فقد أعادت مفهوم المقاومة الفلسطينية كما  أهميتها ودورها في الوقوف ضد العدو  .  عّرت اسرائيل المدججة بالاسلحة التقليدية وغير التقليدية  من تلك الاكذوبة  التي تقول أن “جيشها لا يقهر” , وكشفت عن تخبط اسرائيل  في ادارة  الحرب البرية التي تعرف المقاومة كيف تهزمها بأسلحتها المتواضعة , وأوصلت رسائل وصورا جديدة للعالم أجمع عن وحشية  الاستعمار الصهيوني وبسالة المناضلين في حرب تحرير وطنية شريفة . بالاضافة , أكدت غزة  أن إسرائيل ظلت تضحك علينا في لعبة  ما سميّ” بعملية السلام “ التي استهوتها لمدة عشرين عاما لتضييع الوقت. حرب اسرائيل وصمود غزة  التي يتفرج عليها العرب , من هدم للبيوت فوق رؤوس الاطفال والمدنيين , وبشكل خاص في( الشجاعية )هو جرائم حرب  مسكوت عليها  سجلها التاريخ. فاسرائيل تعمل  وفق هدف غير معلن لتفريغ غزة من أهلها ولتصفية القضية الفلسطينية بعد أن وصلت الى أعلى مراحل الاستعمار والعنصرية والتطهير العرقي  والاستيلاء على الأرض لبناء المستعمرات عليها .


حرب غزة والتضحيات التي سقطت من دم الناس ولحمهم  , يجب أن لا تنتهي بوقف الحرب فحسب , بل يجب أن تؤدي الى رفع الحصار كليا عنها وفتح المعابر ليتمكن الشعب من مواصلة حياة فيها أمل . لقد أن الاوان من حل معضلة غزة , وبخاصة بعد المصالحة الفلسطينية والتي نرجو أن تكون فعّالة  بعد المقاومة الباسلة من جميع الفصائل  لحل القضية الفلسطينية . أصبح هناك أمل بالعمل وليس  بالقول فحسب , بل  بقوة وبكل الوسائل النضالية و السلمية والدبلوماسية والأممية  من أجل دولة مستقلة فلسطينية على أرضه . فليظل الصوت مرفوعا من” رأي عام “ يرى الحقائق ويحللها بالعقل والعاطفة الانسانية أيضا , لعل وعسى ,  وبخاصة أن الحرب القذرة لا زالت مستمرة .!

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment