أنا ضد اعطاء من يمثلون الكيان الصهيوني منبرا على الفضائيات العربية . ذلك لأن ضيوف البرامج الاسرائيليون أو من لف لفهم , عادة يغتنمون الفرصة لتمرير ما يريدون و يحاولون خداع الرأي العام , بالاضافة للتاثير عليه لتبني وجهة نظر خاطئة ودعائية لاسرائيل . ولا ننس أن هذا يعتبر نوع من التطبيع , وإن كان يبرر بأهمية معرفة رأي العدو باسم الديمقراطية والحرية الصحفية . . تغير رأيي” نوعا ما “ حول هذه النقطة , بعد برنامج حواريّ “ ما وراء الخبر “ على الجزيرة , اذيع الخميس الماضي بادارة الاعلامية القديرة المتمكنة غادة عويس .كان الموضوع “ حرب غزة ومن المستفيد من هذه العملية “ ؟. كان المشاركون في الندوة , د.خليل جهشان أكاديمي وباحث وناشط عربي في وشنطن , ود. محمود يزبك من الفلسطينيين العرب “داخل الخط الاخضر “ الاستاذ في جامعة حيفا ,وعن الطرف الإسرائيلي , د. الداد باردو استاذ أكاديمي في الجامعة العبرية . اذن ثلاثة أساتذة يتساوون بالعلم والمعرفة والمفروض بالحنكة السياسية والاعلامية ويبدو أنهم أيضا يتقاربون بالسن .
سعدت بهذا البرنامج وكأنه “ وجبة دسمة “- لها رائحة تفتح النفس وطعم لذيذ- ليس بما جاء في المضمون من آراء ولن أسرد تفاصيل كل ما دار في الحوار لمن لم يشاهده , ولكنني أشير الى نقاط تحّول هامة في مثل هذه الحوارات , منها كيف “انقلب السحر على الساحر” بالنسبة لاسرائيل التي احتكرت الاعلام في العالم ,واتقنت صناعة الرأي العام العالمي والتأثير عليه , وتزوير الحقائق كانت مع وكالات الانباء والصحافة الغربية العالمية في النصف الأول من القرن الماضي المصدر الوحيد للأخبار والاراء . وصل هذا أن وكالات الانباء العربية وصحافتها كانت تنقل عنها دون تمحيص أو دراسة وليس كما اليوم حيث أصبح الاعلام العربي على الاقل من الناحية التكنولوجية يملأ الأرض والسماء بفضل التطور السريع . وسمح ذلك نسبيا أن يصل الصوت والصورة الى البعيد , بما فيه من حلو و ومر وبذلك اصبح ينافس الاعلام الصهيوني وأدواته .
أعود الى فرسان الندوة , أثبت الاساتذة العرب , بهدوئهم” الكبار “ الذي يدل على منزلتهم الاكاديمية ولاجتماعية الرفيعة ومنطقهم الموضوعي , ومعلوماتهم المبنية على الحقائق والمعلومات الموثقة , من أرقام وتحليلات وبعد نظر بالاضافة لروح وطنية عالية دون تعصب . أ عزز هذا منزلة مفكرينا, الذين لزم كان العرب يشككون بقدراتهم ومعرفتهم .. الكثيرون كانوا يتحيزون للافرنجي ويطبقون المثل القائل “ كل افرنجي برنجي “ و تحيّيز المثقفون لتوثيق دراساتهم بالمراجع الأجنبية والاستشهاد بهم . وفي الحقيقة , هناك الكثيرون من ضيوف الفضائيات العربية من “المثقفين والمحللين العرب “لا يبيّضون الوجه , أو لا يفيدون المشاهد الذي يبحث عن الأراء المدعومة بالوضوح وحرية الفكر والقول وهم يتصارعون بالصوت وأحيانا بالأيدي لاثبات وجهة نظرهم السطحية وهم يتنططون من نقطة لأخرى تبعدهم عن الموضوع .
ومن جهة أخرى , ففي الندوة المعنية , أعود “ للضيف “ الإسرائيلي د. با ردو الذي نافس الأساتذة العرب الكرام بفشل ممتاز . كان وكأنه هبط من عالم أخر , وهو يعيد ويزيد الرواية الاسرائيلية الصهيونية التقليدية عن حق اليهود في وطن قومي في فلسطين . زاد باردو من قبح صورة إسرائيل , للعالم اليوم وهو يبرر قباحة المجازر التي قامت بها اسرائيل في حربها على غزة , لا بل ذكّر بمذابح أخرى مثل دير ياسين . ظهر باردو بعقلية فاشية وهو يمثل اسرائيل وقد أخجل الأكاديميين الموضوعيين الذين يعتمدون على الكلمة ونتائج الاستطلاعات وتحليلها . كان يتحرك من قول لأخر ولا أقول رأي , لأنه بدا كطالب كسول لم يحضّر نفسه للامتحان ولذلك سقط أمام الاساتذة العرب الذين لقنوه درسا في كيفية الحوار , وأن تزوير الاعلام الصهيوني للحقائق في يومنا أصبح ماض. كل ما قاله هو لوم المقاومة الجميلة لانها” انتصرت “ أو على الاقل لم تمنح الفرصة لإسرائيل , للتشدق كالعادة” بالنصر المبين “ .حاول أن يساويها “بداعش “ ولم يتمكن اخفاء صورة بشاعة أخلاق اسرائيل التي تتساوى هي مع كل ما هو قبيح وغير انساني .
وفي الحقيقة . كان أجمل ما جاء في هذه الندوة , هو ادارة غادة عويس الاعلامية “الشرسة الجميلة “, حينما كانت تعيده للواقع , وهي تقول ,” أجب على سؤالي ولا تتهرب “.والأجمل عندما صدته وهو” يتودد “ بشكل مبتذل “ علهاّ تخرجه من الورطة وقد خاطبها “ يا حبيبتي , أنا هنا تحت أمرك “ ولكنه بذكائها “مرمغت الارض به .” . بالله عليكم , كيف يكون هذا الشخص استاذا جامعيا , أو محاضرا , أو في ندوة حوار يشاهدها الملايين ؟ ردت عليه بقوة استمدتها من المهنية التي تتحلى بها , ومن قدرتها على تمثيل العرب وأهل غزة وهي تفند المقولة الصهيونية “ الكبار سيموتون والصغار سينسون “ وقد واجهتة بهذه الحقيقة التي أثبتها المقاومون في حرب غزة ! د. باردو في هذه الندوة خدم قضيتنا وعزز صورة اسرائيل القبيحة . فتحية غادة الاعلامية المتمكنة !!