عمان– لا يمكن القول إنَّ الأديب أو المبدع العربي، في الغالب الأعم، يمكن أن يكون إبداعه مصدر دخل له يقيه قسوة الواقع الذي يسعى لتغييره بقلمه.

ويرى مبدعون أنه لا يمكن استيعاب كلمة “كاتب” في خانة العمل من الناس أو الموظفين الرسميين بسهولة؛ ففي أحوال أكثر إيجابية بالإمكان القول إن الأديب يعتاش من قلمه، لكنه يطرحُ سؤالا عن مقولة “ورشة الفقر” للمشتغلين بالأدب والفكر العربي.

يقول الباحث د.ربحي حلوم إن “الأسف يملأ النفس لوقوع الأديب العربي في ذيل الأدباء العالميين من حيث مستوى المعيشة رغم جودة إبداعه”، رادا ذلك إلى نظرة أصحاب القرار إلى “الإبداع”.

ويضيف أن من تجد حاله من الأدباء على غير ذلك، فمرده إلى ما يكون لهؤلاء من “حظوة أو مكانة لدى السلطة”، مشيرا أنَّ ذلك لا يمكن أن يكون مؤشرا إيجابيا بأيِّ حال من الأحوال.

ويؤكد حلوم أنَّ حال الكتّاب والمبدعين في الأردن تشكلُ دليلا دامغا على انحدار المستوى المعيشي، إذ بوجود أربع عشرة نقابة من بينها رابطة الكتّاب نراها هي التي “تنفرد بعدم قدرتها على دفع إيجار مبناها”.

ويشير إلى أنَّ عدم مقدرة الكثيرين من أعضاء الرابطة على دفع الرسم السنوي الضئيل، ما هو إلا “دليل آخر أشد سطوعا على المستوى السلبي المؤسف لأحوال الأدباء في الأردن”.

ويرد مكانة الأديب الغربي وتقدمه في كافة شؤون الثقافة والإبداع ومدى تأثيره في مجتمعه، إلى أنَّ الغرب لديه “مكون الثقافة المترسخ في جذور تعامله مع اليومي والمعيش على المستويات كافة”.

ويرد حلوم أسباب تردِّي حالة الأديب إلى سياق آخر متعلق بـ”المحاذير والعقبات” التي تعترض الأديب العربي” التي تحول دون نشر إبداعه”، ما يجعله في غالب الأحيان في حال غير مقبول.

ويرى الشاعر محمود عواد أنَّ تردي حالة العربي دليل على “تردِّي حالة الأمة عموما، بدءا بالسياسة وانتهاء بالثقافة”، مبيِّنا أنه “حين يختل ميزان القيم يصبح الفكر والإبداع في أدنى أولويات المجتمع”.

ويضيف أنَّ المفارقات المؤثرة اللافتة تكاد تكون جارحة عند رؤية الحال المعيشي لأيِّ مطرب من الدرجات الأخيرة “أفضل من أشهر الأدباء، حادي مسيرة الشعوب وصاحب النبوءة”.

ولا يعفي عواد المبدع ذاته من الحال الذي هو عليه، فيؤكد على “تقصير المبدعين”، إزاء القضايا الكبرى، رائيا أنَّ الأدباء العرب “لا يجترحون الآفاق لشعوبهم نحو التنوير والحرية والديمقراطية”.

ويضيف في هذا السياق أن تقاعس المبدع العربي عن تحمل ما ينتج عن عطائه الفكري من تضحية، وغير مستعد “لمقاومة سطوة السلطة”، مبينا أنَّ الأديب العربي يبدو غائبا عن معرفة تضحيات المبدعين الغربيين التي أوصلتهم إلى ما هم عليه.

ويؤكد أنَّ جوانب موضوعية أخرى أسهمت في الحالة من، أهمها أنَّ الكتّاب في الغرب أوسع انتشارا بحكم انتشار اللغة الإنجليزية والذي يؤثر في حجم الانتشار والتوزيع والحضور.

ويشدد عواد على أنه لا بد للكاتب العربي أن يخرج من قطريته وتكون نظرته إلى إبداعه مصدر اعتزازه ووجوده، وأن يحارب “أي تيار يضيق من أفقه، “فهو الذي يؤثر في المجتمع من سواه”.

فيما ترى القاصة سامية العطعوط أنَّ السياسات في العالم العربي غير معنيَّة بإرساء محددات للثقافة أو شؤون المثقفين بسبب ما يعتري تلك السياسات من “نظرة غير إيجابية للثقافة والمثقفين”.

وتفصح أنَّ ذلك يأتي على هيئة اعتبار الثقافة “أمرا ثانويا”، ومن هنا يأتي تردِّي حالُ المثقفين والكتاب والمبدعين، مبدية الأسف على أن ذلك موجود في أشدِّ حالات “ازدهار الدولة العربية الحديثة”.

وتعزو العطعوط الأمر بأن الثقافة والإبداع بحاجة إلى “الحرية القصوى”، مؤكدة أنَّ تلك الحرية عربيا تتعارض في الغالب مع سياسات الكثير من الدول؛ أي أنها لم “تتقاطع مع مصلحة الدولة العربية”.

وتشدد على أنَّ الإبداع والثقافة أهم “شعلة غيَّرت أوروبا وأميركا”، مبينة أنَّ الفكر والثقافة هما أساس التغيير في المجتمعات، وإنْ لم يكن ذلك “على المدى القصير المنظور”.

وتشير العطعوط إلى أنَّ تخاذل الدول عن إيلاء السياحة الثقافية العناية الواجبة “دليل عدم اكتراث بالثقافة”، كاشفة حال المبدع الذي لا يذكر في وطنه “رغم تقديره بالجوائز والتكريم خارج قطره”.

د. عايدة النجار تذهب إلى أن المبدع العربي يواجه التحديات الجمة المهبطة لأوضاعه والمؤثرة على حاله بسبب “عدم وجود البيئة الثقافية لإبقائه شعلة متقدة”، تعبر عن أحوال أمته ومجتمعه.

وتضيف أنَّ أسباب ذلك متعددة لا تبدأ من “اعتماده الشخصي على حماية إبداعه، بحثا وكتابة وحتى تسويقا”، بل يتعدى الأمر إلى عدم قدرته بالحصول على أي دعم معنوي فوق ذلك.

وتؤكد النجار على أنَّ “الظلم الواقع على الأديب العربي دون سواه” تسهم فيه دور النشر بطريقة أو بأخرى، مشيرة إلى أنَّ أسطع تلك الطرق “الطريقة التجارية المحضة في التعامل مع الكتاب”.

وتأسف النجار إلى حال المبدع العربي بالمقارنة مع نظيره الغربي الذي بمجرد نشر كتاب تتغير ظروفه، ويعتز بذلك التحول كونه “اعترافا معنويا” بالأصل في إبداعه، مقارنة ذلك بأنَّ “البعض غير القليل في العالم العربي يفاخرون بعدم وجود مردود لإبداعاتهم”.

جمال القيسي

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment