عقد في منتدى عبدالحميد شومان الثقافي مساء الاثنين الماضي حفل اشهار كتاب “بنات عمان أيام زمان ذاكرة المدرسة والطريق”، لمؤلفته الدكتورة عايدة النجار.
واشتمل الحفل على ندوة شارك فيها, بالاضافة الى المؤلفة, كل من الدكتور ابراهيم عثمان, والكاتب الصحافي حسني عايش, وترأس الجلسة وأدار الحوار سيادة الشريف فواز شرف, كما اشتملت الأمسية على حفل توقيع للكتاب المذكور.
وأشارت الدكتورة النجار في كلمتها أن كتابها عبارة عن ذاكرة جيل كان شابا في عقد الخمسينيات من القرن الماضي, كما كان المكان كذلك. وان بنات عمان في تلك الحقبة يمثلن شريحة من مجتمع عمان زمان, وجزءا لا ينفصل عن الأسرة الصغيرة “العائلة”, والأسرة الكبيرة “الوطن”, في حين كان المكان “عمان” مثلهن في سن الشباب, يعيش مرحلة النمو والتطور الديمغرافي والاجتماعي والثقافي والسياسي, حيث كبر فيها العمران والشوارع والمعالم الحضارية بفضل الرواد الذين ساهموا في البناء.
وأضافت أن الكتاب لا يرجع في الذاكرة الشفهية أو المكتوبة لتفاصيل تاريخ الأردن منذ النشأة في العام 1922 ولذلك فهو ليس كتاب تاريخ تقليدي, غير أن أحداثه تتفاعل مع مظاهر الحياة المتنامية لتكون عملا ابداعيا, كما يأتي الكتاب في الوقت الذي تحاول فيه عمان الجديدة اليوم حماية ذاكرة عمان التي كانت جديدة في الخمسينيات, من خلال الحفاظ على التراث والثقافة.
من جهته أشار الدكتور ابراهيم عثمان الى أن مثل هذه الكتابات, التي تبنى فيها الحقيقة بناء ذاتيا, تصبح خالية من أي حقيقة مستقلة عن تصوراتنا عنه, وكيفية تأويلنا لهذا الماضي. بل اننا نؤوله عادة, من خلال حاضرنا, وما كوناه واستدمجناه في شخصيتنا من عقلية, نرى من خلالها هذا الماضي, ومن ثم نعيد بناءه كما نتصوره في حاضرنا هذا.
وقال إننا نختار من هذا الماضي, في المذكرات, ما يقدم شخصا بأفضل ما نرى, حسب توقعاتنا والمعايير التي يميلها المجتمع للشخصية التي نريد ابرازها من خلال هذه المذكرات.
وأضاف أن الدكتورة عايدة تناولت في كتابها الجديد قطاعا هاما من حياة المجتمع, وهو القطاع التعليمي في المدرسة, حيث نبدأ من مدارس “لفتا”, ولكنها لا تعطي هذه الفترة تفاصيلها الملائمة من المذكرات, بل تسلط الضوء, على نحو مكثف, على دراستها في مدينة عمان, لا سيما في مدرستي “اروى بنت الحارث” و”مدرسة الملكة زين الشرف” وهي تعكس في هذه المذكرات حياة طبقة معينة, ولا تعكس حياة المجتمع برمته. ذلك أن بنات المدرستين المذكورتين يمثلن طبقة اجتماعية محددة, هي الطبقة الوسطى العليا, وبعض الشرائح من الطبقة العليا, وبنات التجار الصاعدين الذين كانوا يمارسون نوعا من الحراك الاجتماعي الملموس.
وقال إن المذكرات لا تقتصر على التعليم فقط, او على العلاقات البينية للطالبات, او بين الطالبات والمعلمات, بل تتجاوز ذلك الى وصف المدينة وتطورها, اضافة الى تطور العمران فيها, وكذلك العلاقات الاجتماعية, سواء بين المجتمع المحلي والمدرسة, أو بين مدارس الذكور ومدارس الاناث في ذلك الوقت.
وفي خلاصاته واستنتاجاته حول الكتاب, أشار الكاتب حسني عايش الى أن الوعي السياسي لدى تلاميذ المرحلة الثانوية وتلميذاتها في الخمسينيات كان أقوى من نظيره هذه الأيام, علما أن الوعي السياسي هو اعلى مراحل الوعي عند الإنسان. وأن التلاميذ والتلميذات كانوا يتعلمون في المدرسة ويلعبون في البيت, أما اليوم فإنهم يلعبون في المدرسة ويتعلمون في البيت.
وقال انه على الرغم من أن المؤلفة تحدثت بحنين وشجن عن فترة المراهقة, لكن تلك المرحلة, على خصبها وتفجرها, ليست مرحلة طبيعية في حياة الإنسان, كما يرى بعض العلماء والمفكرين, بل هي حالة ثقافية من صنع الإنسان المعاصر, ولم تكن المراهقة معروفة في مجتمعات ما قبل الثورة الصناعية, فالطفل كان يصبح راشدا بمجرد اشتراكه أو اجتيازه للطقوس الخاصة بذلك.
وعقد عايش مقارنة بين انماط التعليم القديم والحديث, مشيرا الى أن تعليم التدبير المنزلي للفتيات أيام زمان كان يعد بمثابة ميزة نوعية, أما اليوم فقد تراجعت هذه الميزة, مع انها غدت ملحة اكثر, بعد أن تحولت الأسرة من الانتاج الى الاستهلاك, ولذا لا بد من عودة هذا التعليم بقوة, لاسترجاع الأسرة المنتجة.
وقال إن حب التلاميذ للمادة الدراسية كان مستمدا في السابق من حب المعلم او المعلمة, وكان التعليم يتم, عموما, بالتلقين, الذي هو انعكاس للأبوية, أما في عالم اليوم المعقد والمتشابك, فالأمر يتم من خلال القراءة الناقدة والاستماع النشط. كما أن الحنين الى الماضي هو جزء من الطبيعة الانسانية عندما يتقدم العمر بالإنسان, لأن مساحة مستقبله تتقلص, في حين يكون الشوق الى المستقبل عند الطفل قويا لأن المستقبل مفتوح أمامه, غير أن الماضي لا يستعاد, في حين صار المستقبل يأتي سريعا.