في الوقت الذي ما زال العالم العربي ، في أكثر من دولة يعيش حالات الضياع والصراع السياسي والخلافات العقائدية والمذهبية، أو التحالفات التي تخلق التفكك واتساع الفجوات من مأسٍ وتزيد من التقهقر في المعيشة اليومية والثقافية والاقتصادية. في هذا الجو يطل علينا شبح جديد انشغل به الناس في الأردن غير قصة” ذهب هرقل “ . ظاهرة غريبة تأخذنا للواقع والخيال سميت” بمس الجن أو مس شيطاني “ ظهرت بين عدد من الطالبات في “غور فيفيا “ ظهرت أعراض “ هلوسة “يتلفظن بكلمات غريبة أو يتصرفن بتصرفات سلوكية لا تتلاءم مع الواقع . فسرها المختصون بأن مثل هذه” الحالات الهستيرية” يمكن أن تصاب بها مجموعة من الناس وتسمى” بالهستيرية الجماعية “ وهي معدية وتنتقل من شخص لأخر “. التفسير العلمي من المختصين مقنع بالنسبة لي، ومن قرأوا علم النفس والاجتماع . ومع ذلك، لا بد من الوقوف عند هذه الظاهرة التي تبدو، كأنها ممنهجة، أو أن هناك فعلا شيئا غيبيا ك “ مس الجن “ كما في واقعنا العربي، الذي بات يتصرف خارج المعقول وأشبه ما يكون هناك محرك خفيّ وراءه يسبب له الهلوسة التي تنهك عقله السويّ ويدفعه للهروب الى مكان بعيد عن المكان هذا ؟
هناك في العالم ومنه عالمنا العربي ظواهر متعددة من سلبية وايجابية منها : حركه مفاهيم تتغير، بدءا من الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، والارهاب، والاصلاح الاجتماعي والديني والفكري، والعروبة والاسلام، وغيرها من المفاهيم الولادة . والملاحظ أنها صاحبت ما سمي” بالربيع العربي” الذي رأى الكثيرون فيه الضوء المريح للعين والقلب للسير في طريق يقود الى مستقبل أفضل للبؤساء . فالنار التي أشعلها البوعزيزي بنفسه في تونس، لم تكن “ مس من الجن” وأنما من أجل واقع فيه عدالة اجتماعية يتمنى أن يراه ويعيشه . إن النار التي أحرقت البوعزيزي سرت في عدد من البلدان العربية ولكنها مع الأسف، حرقت” زهور الربيع” بقوة ليست خفية تتزعمها أمريكا وأسرائيل، تبحث عن مصالحها الاستعمارية في الشرق الأوسط الكبير العازمة على تحقيقه . ولعل المسلسل، الذي نراه اليوم وبالأمس من حروب ما سميت “على الارهاب، بدءا بأفغانستان، وانتهاء بحرب غزة وتوابعها في سيناء، ومسارح الحروب المشتعلة فيها نيران الطائفية والتطرف الديني، من داعش وأنصار الشريعة وغيرها من التسميات التي تتبع مدارس” رجعية “، يريد مطلقوها الايهام بثورات دينية أو صحوات اسلامية لصالح الانسان. وكل هذا سبب العودة بالإنسان والمكان إلى” عصر الانحطاط والدمار والتخلف” الذي يرفضه . . !
إن ما يجري من” مس شيطاني، أوتلبس جنيّ “ في أوساط طالبات (غور فيفا )للمرة الثانية على التوالي، لتعكير صفو الذهن البشري أو قواه العقلية، قد تكون بسبب حالة الحرمان التي يعيشها الفرد والجماعة والفقر المدقع في:” كل شيء “ الذي يتسبب في اضعاف العقل كما الجسم، بالاضافة لإحياء الثقافة الشعبية” السلبية “، التي تدفع الانسان المصاب وبخاصة غير القادر على دفع البلاء، للهروب وترك المكان . فهل فحصت الجهة المسؤولة “أجهزة الحاسوب” أو الغرفة، بعد أن سمعوا “ تأكيد” الطالبات اللواتي اصبن “بالهستيريا “، مشاهدتهن مخلوقا غريبا داخل غرفة الحاسوب ؟ أسأل هذا السؤال، بعقلي النقدي البعيد عن الخرافات، واهتمامي بالتكنولوجيا الحديثة وأعتبرها “ نعمة ونقمة “ . وفي نفس الوقت” أضحك “، وأتذكر أنني قبل مدة وضعت صورة ورسالة فوسبوكية “ أدمت قلبي عن طفل من ضحايا حرب غزة، مقطوع القدمين وإحد الذراعين وليبقى له ذراع وحيدة . علقت عليها تعليقا انسانيا عن مدى إجرام اسرائيل بحق الاطفال. ولم تمض دقائق الا والصورة قد شطبت، وتساءلت،” يا ناس، يا هو .. أين ذهبت الصورة؟ “ وكأنني أخاطب شيطانا داخل الكمبيوتر، فرد أحد الاصدقاء على الفيس بوك “ ربما المجرمون مسحوها “؟؟
هل يريد هذا” المخلوق الشيطاني الغريب “ من إخافة المدرسة وأهل البلد أو خلق فزع لابقاء الطالبات” أميات انترنت “. لتركها ،” للجاسوس من الجن والشياطين “، داخل الكمبيوتر وخارجه لتفريغ القرية، أو تركها للشياطين الذين يسكنون في شجر “الزقوم “ ؟ إن الحالة الهستيرية المثيرة للفضول ربما تكون بسبب” الصدمة الثقافية “، بين عالم الواقع البطيء في تلك البيئة وبين التغير السريع لعالم اليوم الذي تسيرها الفوضى الخلاقة ؟ فهل من مجيب لسؤالي الجاد : “ من هو ذلك المخلوق الغريب الذي قال للطالبات “ سوف أدمركن ، وأدخل في قلوبكن الرعب، وسبب الصدمة .؟ مع الشكر .!!