كما نرى أخذ العالم اليوم بالتخلي عن صداقة إسرائيل التي صنعتها من أجل خططها الاستعمارية , ليس لإقامة دولة إسرائيل فحسب , بل أيضا لاستغلال الصداقة بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة .
واليوم نرى أن بعض أصدقاء إسرائيل قد تنبهوا بعد هذه العقود الطويلة , التي زاد عددها على قرن من الزمن , وعرفوا أن إسرائيل عدوة للسلام , وينطبق عليها مقولة: « الصداقة بالنسبة لها أحد المستحيلات الثلاثة»، وهي لم تكن -ولن تكون- « الخلَّ الوفيّ» لأحد إلا لليهودية العنصرية وقتل الإنسان الفلسطيني الذي يعاني من احتلالها الوحشييّ .
إسرائيل اليوم تحاول الاستمرار جاهدة لإقناع « الأصدقاء « بأنها على حق في مواصلة احتلالها لفلسطين , بالإضافة للوقوف في وجه أية محاولات دولية أو إقليمية، لإقامة دولة فلسطينية للفلسطينيين على أرضهم .
تنشط إسرائيل من جديد لـ»كسب الأصدقاء» أو الحفاظ عليهم، وتحاول -كما يبدو عبثا- تطبيق سياستها القديمة « كسب الأنصار « وخداعهم بأنها تريد السلام، وبحربها على غزة كشفت مدى قسوتها , و»بسلامها» أيضا كشفت مدى عنصريتها ضد العرب الذين تحاول تهويدهم، وتحاول اسرائيل مواصلة سياستها الإعلامية بإقناع العالم أنها على حق والفلسطينيون على باطل . خاصة بعد أخذ الفلسطينيين قضيتهم للأمم المتحدة واتخاذ أكثر الدول موقفا ايجابيا بالتصويت على الاعتراف» بدولة فلسطينية « بدأتها السويد وبريطانيا ثم تبعتها فرنسا وفنلندا وإن كانت هذه القرارات رمزية .
ولوقف ذلك قامت إسرائيل مؤخرا ببذل كل جهود يهودها في البرلمان الفرنسي لإفشال إحباط قرار للاعتراف بدولة فلسطين . بالاضافة لذلك فشلت إسرائيل و وسائلها العالمية ودعاياتها المغرضة بوقف مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية وتحذير مواطنيها من عقد صفقات تجارية مع المستوطنات والاستثمار فيها ، وكانت السوق الأوروبية قامت بذلك ومن بينها بلجيكا وفنلندا والدول الإسكندنافية الأخرى .
كما لم تستطع اسرائيل بأساليبها التأثير على « الأصدقاء « في أمريكا اللاتينية الذين أخذوا يفضحون احتلالها دولة بعد الأخرى ويحيّون» حرب التحرير « التي يخوضونها و بهذا فشلت في مواصلة تسميتهم بـ»الأنصار أو الأصدقاء «. ولا ننسى أن موقف اسرائيل من القدس واعتبارها عاصمتها الأبدية رغم القوانين الدولية التي تناقض ذلك أكسبها أعداء وليس أصدقاء . وحتى من الأصدقاء الحقيقيين -مثل أمريكا- ففيها من الأكاديميين ودعاة السلام من يقاطع سياسة إسرائيل العنصرية وأيضا داخل إسرائيل نفسها .
لقد وظفت إسرائيل « الإعلام « كأداة فاعلة للتأثير على الرأي العام العالمي وفق استراتيجية مرسومة بدهاء . وقسمت العالم للوصول اليه وفقا للتوزيع الجغرافي السياسي : أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية , اوروبا الشرقية , والقارة الافريقية , وأمريكا اللاتينية .وفي سياستها كان لا بد لها أن تبدأ باليهودية العالمية . وكانت استراتيجيتها العمل المكثف قبل قيام اسرائيل , ووضعت استراتيجية صهيونية ليهود العالم , وهو تثقيفهم بالأهداف الصهيونية , واستقطابهم واعدادهم نفسيا للهجرة الى فلسطين , تحقيقا لـ»النبوءة « والخرافات اليهودية , التي يؤمنون بها «أنهم لن يعيشوا بسلام إلا في أر ض إسرائيل ,» أرض السمن والعسل «.
لقد كانت سياسة إسرائيل منذ البداية التأكيد على أن يهودية اليهودي لا تكتمل الإ بالهجرة الى إسرائيل والتأكيد على أن الحليف المخلص الوحيد» لدولة «اسرائيل هو اليهود .
ولعل قول «بن غوريون» في مقدمته للكتاب السنوي لحكومة إسرائيل للعام 1960 -1961 , ما يؤكد على أن اسرائيل تسعى لإيجاد أصدقاء» تفصلهم على قياسها « ولخدمة اغراضها الاستعمارية إذ يقول « إن الطريق الأكثر ضمانة الى السلام والتعاون مع جيراننا لا يكون بدعوة شعب إسرائيل ووعظه بالسلام , كما يفعل محبو السلام من البسطاء , ولكن عن طريق الحصول على أكبر عدد ممكن من الاصدقاء … الذين سيفهمون أهمية إسرائيل وقدرتها على المساعدة في تقدم الشعوب النامية والذين سينقلون ذلك المفهوم الى جيراننا « .
أصبح العالم يعرف مفهوم الصداقة لإسرائيل ومن يساعدها على البقاء دولة استعمارية تسعى للتوسع في المنطقة على حساب شعوبها .» حلم إسرائيل لن يتحقق , وقد تغيرت وسائل الاتصال والإعلام , وأصبحت قادرة على الرد على مزاعمها من قبل أصدقائها الذين لم يعودوا اصدقاء كما تريدهم بمفاهيمها الاستعمارية .