ضمن مئات المواقف والأحداث والمناسبات والذكريات التي سجلتها الإعلامية د. عايدة النجار في مؤلفها الجميل « القدس والبنت الشلبية « ما ورد عن معايشتها لمدينة القدس العربية ايام الطفولة والصبا تذكر   :
 « للقدس مكانة خاصة في التاريخ، وعلى مر العصور، ولها منزلة في الوجدان ليس لأهلها الفلسطينيين فحسب بل للكثيرين من أتباع الديانات السماوية في العالم الذين حجوا إليها أو بقوا فيها، أو كتبوا عنها.
وللقدس مكانة خاصة لمن ولد فيها من «المقادسة» أو زارها أو تعلم في مدارسها أو تجول في شوارعها ورسم صوراً دائمة للمكان وناسه في الذاكرة.
ولهذه المدينة مشاعر قوية عميقة لدي، لأنني ولدت في أكنافها لفتا/ القدس، وترعرعت في أحضانها في طفولتي، لعبت تحت أشجار التين والزيتون زهر الرمان.. وقُرب الصبار الذي يسيج حواكير ريفه، وضحكت بصوت عال وأنا «أطير» في القدس العتيقة على المراجيح القريبة من المسجد الأقصى بفستان العيد «الزهري»، وأنا آكل «الكعك بسمسم»، وحلاوة العيد القاسية البيضاء، وأتذوق «شعر البنات» كعكباني اللون. فالقدس جزء من وجداني وهويتي التي تحمل عادات وتقاليد الوطن والأهل.
 بالإضافة فالمدينة تحت الانتداب البريطاني كانت عاصمة فلسطين، وهي الفترة التي تناولها الكتاب، مبيّنة أنّها اختارتها لأنها عاشت في القدس بعضا من ذلك الزمن الجميل.

ذاكرة الدروس والأناشيد
وتذكر  : لقد ضمت مدرسة المأمونية القديمة الحكومية في القدس العتيقة «المركزية» أو المأمونية في باب الساهرة، أفواجاً من البنات. وتميزت المدارس الحكومية للبنات والأولاد بقوة منهاج اللغة العربية. وقد تعلمنه بأسلوب سهل، خاصة بعد ان وضع المربي الوطني خليل السكاكيني «أبو سري» المفتش العام للغة العربية المنهاج المقرر للصفوف حتى الرابع الابتدائي. واعتبر السكاكيني اللغة العربية «غاية وليست وسيلة»، حيث دعا إلى الحفاظ على اللغة، لأنها كما علمها لأهل فلسطين وشرق الأردن زمن الانتداب الذي كان يطبق نفس المنهج وأكد ان: «اللغة قبل كل شيء هي العنصر الذي تقيم به أمجاد الأمة، وعلينا ان نعلم الولد كرامة الأمة ومجدها في الكلمات العربية التي يقرأها ويشعر بأنه يشرف على مجده وعزته القومية من خلال الحروف والكلمات».
وفي فلسفته التعليمية دمج السكاكيني العملية التعليمية بالحركة الوطنية الفلسطينية، وتحيز لإعطاء الأولوية للتخصص في مجالات التربية والتعليم والثقافة. ولذلك فقد اختلف مع الكنيسة الكاثوليكية التي ينتمي إليها وطالب بتعريب الكنيسة وحماية حقوق الأرثوذكس الفلسطينيين، وكان موقفه من السلطة معادياً لسياستها المتحيزة للصهيونية.
 وتعبيراً عن روحه الوطنية فقد قام في عام 1939 بتقديم استقالته وامتنع عن تقديم كلمته في حفل افتتاح الإذاعة الفلسطينية، عندما سمع المذيع اليهودي يقول: «هنا إذاعة صوت إسرائيل». وبموقفه الوطني اجبر المسؤولين لمنع المذيع اليهودي من استعمال الكلمة «مرة أخرى»، وظل السكاكيني مثالاً للمربين والوطنيين ومصدر فخر للمثقفين.
وقد أحب أهل القدس لغتهم العربية بفضل المدرسين والمربين المقدسيين والفلسطينيين كما تعاون المربون والمثقفون في نقش جمال اللغة وموسيقاها في أذهان الأولاد والبنات منذ الصغر وان اختلف أستاذ اللغة العربية الأديب محمد إسعاف النشاشيبي مع السكاكيني في منهجية التعليم.
واتبع النشاشيبي الأسلوب القائم على النقل والتحفيظ ورأى فيه أسلوباً يحيي الذاكرة والتذوق الفني والأدبي، وهو أسلوب اتبعه «الخاصة» والسلف بخلاف المنهج الذي أراده السكاكيني سلساً وسهلاً وواضحاً.
 وظلت أساليب المدرسين والأساتذة المقدسيين الذين عملوا في سلك التعليم في ذاكرة طلابهم وأولادهم وهم يرددون كلمات د. سامح الخالدي، وعلي جار الله، وجميل الخالدي، وجميل مشبك، أو معلمات البنات، في مدرسة المأمونية اللواتي علمت أجيالاً متلاحقة عايدة الخضرا، نعمتي قميع، ليلى الخالدي، صبيحة وكاميران المصري، ندية رصاص، نعمة الصالح، باسمة فارس، عليه نسيبة، زكية البديري، عطاف حماد، أمل مدور، لمعة غوشة، أليس كششيان، وإكرام الخالدي، وغيرهن.
وكان من أجمل الأناشيد الوطنية التي كانت تسمعها في كل مدارس البنات والأولاد نشيد «في سبيل المجد» والذي ينم عن شعور وطني كان يشعر من ينشده انه فخور بالماضي والحاضر والمستقبل. وما زال كثيرون من أولاد المدارس في تلك الفترة يتذكرون النشيد الجميل ومعانيه الوطنية وهو من الشاعر عمر أبو ريشة:
في سبيل المجد والأوطان نحيا ونبيد
كلنا ذو همة شماء جبار عنيد
لا نطيق السادة الأحرار أطواق العبيد
ان عيش الذل والإرهاق أولى بالعبيد
لا نهاب الزمن
ان سقانا المحن
في سبيل الوطن
كم قتيل شهيد

المحبوبة السمرا
وتعلمت البنات الدروس بلغة عربية سليمة في القواعد واللفظ. ولخلق محبة للغة دروس نظم الأساتذة الأناشيد التي تساعد الطلاب على إتقان اللفظ والمعنى وتعلم الأولاد والبنات عن القهوة التي يحبها العرب وردد الكبار مع الصغار:
أنا المحبوبة السمرا

وأُجلي بالفناجين

وريح العطر هند

وذكري شاع في الصين

وربما ساهمت هذه الأنشودة بإسعاد البنت السمراء والمحبوبة مثل القهوة، في الوقت الذي كانت البيضاء هي المفضلة، إذ ظل هذا النشيد المعبر حياً في ذاكرة الأجيال. وكلما مر القدس من قرب «بستان ورد» يتذكرون أيضاً ما تعلموه في الطفولة ويستحضرون الماضي السعيد:
وخلق الأساتذة أوقات بهجة ومحبة لدروس اللغة العربية، وهم ينظمون الأشعار التي اعتبرت وكأنها وسائل إيضاح للطلاب، كما في شعر اسكندر الخوري البيتجالي في وصفه للسيارة التي أخذت تنتشر في شوارع القدس والمدن الفلسطينية الأخرى، ولتأخذ مكان وسائل النقل القديمة مثل الدواب. واشترى الناس سيارات هدسون وفيديرال، وويلز، ودوج، وفادكو، وسيارات بويك وبونتياك، وكرايسلر، وبليموت، وديسوتو، وشفروليه. وانتشرت أيضاً وكالات بيع السيارات في القدس من بينها في شارع مأمن الله يوسف إبراهيم أبو خليل، وجميل حلبي، وشكري ديب، شارع البرنسس ماري وسلامة إخوان، وطنوس إخوان في شارع جوليان. وتسابق أهل القدس والمدن الأخرى على شراء السيارات التي كان أصحابها مزهوين بها، خاصة وإنها كانت قلة. وقد اشترى عمي محمد إسماعيل النجار من قرية لفتا، سيارة رولز رويس في الأربعينات ليكون من بين أول من يقتنيها في البلد، وقد سعدت مع الأهل حينما كان يسمح لنا بركوبها، بدل «حنطور» جدي الذي كان يتميز بجمال زخرفته وحصانين نشيطين، والسايس عطية.
وسعد أهل البنت والولد وهم يسمعون لأولادهم منذ الصف الأول والثاني ما تعلموه في المدرسة من الكتاب المقرر في منهج اللغة العربية الذي وضعته مجموعة متميزة من الأساتذة هم: راضي عبدالهادي، واحمد خليفة، ومحمد خورشيد العدناني، ووهيب البيطار، وكان إحداها التي تعود على الوالدين بالمحبة:

فأحبوا أبويكم
لتعيشوا سعداء
وأبدلوا الروح فداهم
تجدوا الخير جزاء
وكأن الله استجاب لتنبؤات وأمانيهن الأمهات وهن يرددن ويحرضن الأولاد كما جاء في كتب المربين ويقلن «ان شاء الله»:
ربما صرت طبيباً
ربما صرت وزيراً
ربما أصبحت أستاذاً
رياضياً شهيراً
كل ذي شأن كبير
كان قبل صغيراً

وتحمس الشعراء في نظم الأناشيد وتنافسوا في وضع الكتب، فاصدر اسكندر الخوري «الطفل المنشد» ومحمد البسطامي «الشادي» في الأناشيد الوطنية.

أما أناشيد حب الوطن فكانت تغيظ بريطانيا والصهيونية، وعندما كان أهل فلسطين  بخوضون ثوراتهم في الثلاثينات ضدهم بكل سلاح، وبينهم من عمل في الإذاعة الفلسطينية. أرسلت فدوى طوقان ابنة نابلس إلى الإذاعة قصيدة وطنية عام 1939، حيث كان يعمل إبراهيم طوقان تنشد للبلاد:
جنة الدنيا بلادي

حبها ملء فؤادي
خيرها في كل وادي
حسنها للعين بادي
جنة الدنيا بلادي
وتصف جمال الوطن:
في الروابي والسهول
في البوادي والحقول
في صباح وأصيل
حسنها للعين بادي

موطني ..ابراهيم طوقان
وكان إبراهيم طوقان قد وضع نشيد موطني.. الذي لا يزال نشيد فلسطين الوطني:
مــوطــنــي مــوطــنــي….
الجـلال والجـمال والســناء
والبهاء فـــي ربــاك
والرجـاء فــي هـــواك
هـــــل أراك
سـالما مـنـعـما
وغانـما مـكرما
هـــــل أراك
مــوطــنــي مــوطــنــي
ذلـنـا المـؤبـدا
وعيشـنا المنكـدا
لا نريــــــد بـل نعيــــد
الحسام و اليـراع
لا الكـلام والنـــــــــــــــــــــزاع رمــزنا
مـجدنا و عـهدنا
وواجـب إلى الوفا يهــــــزنا
عـــــــزنا غاية تـشــرف
و رايـة ترفـرف
يا هـــنــاك فـي عـــلاك
قاهرا عـــداك

موطني موطني
وشحذ عبدالكريم الكرمي «أبو سلمى» همم الأطفال وأنشد معهم «رفاق السلاح»:
يا رفاق السلاح
الحياة كفاح
فلنمد الجناح
فوق نور الصباح
عرف أهل فلسطين والقدس من البنات والأولاد والأهالي الذين أحبوا الوطن وعلموا معنى الحب، منهم وهيب البيطار، محمد خورشيد العدناني، عصام حماد، حسن، الشيخ البسطامي، راضي عبدالهادي، عدنان النحوي، وبرهان العبوشي…الخ .
ظل أبو سلمى يحن للدار والوطن بعد النكبة، وقد علم الأطفال قبل النكبة نشيد» داري «  الذي يقول فيه:
هل تعرف داري
يا جاري
ما أحلاها
يا ليت ترى
غرف الدار
ما أبهاها

مدرسية سعيدة
كثيراً ما فرح الطلاب والطالبات وهم يستعدون لدرس الجغرافيا والتاريخ في المدارس الرشيدية والمدرسة الأرثوذكسية الوطنية والكلية العربية ومدرسة المأمونية ومدرسة. وكانت سعادتهم تزداد وهم يحضرون مع الأمهات زوادة الرحلة المدرسية، والتي تعد جزءاً من دروس الجغرافيا والتاريخ. وعرف طلاب وطالبات المدارس على الواقع التاريخية والدينية لمدينة القدس والقرى القريبة. لفتا، وعين كارم، وبيت حنينا، وبيت صفافا، وبيت جالا، وبيت لحم. كانوا يستمتعون بالرحلة لجبل الطور وجبل تحت شجر الزيتون والطلاب الذكور يحملون «مطرة الماء» وكيساً فيه خبز وزيتون وزعتر وبيضة وقطعة جبن وبندورة وحبة برتقال، يتقاسمونها مع أصدقائهم وقت الطعام. وكانوا سيرون وراء الأستاذ يقطعون السهول والجبال والوديان، وهم ينشدون الأناشيد الوطنية ويستمتعون بالاستراحة تحت شجرة زعرور أو كهف في الطريق. وبدت الطرق لهم في تلك الأيام بعيدة، لأنها لم تكن معبدة، ولم يكن فيها بيوت كثيرة كما اليوم، وقد امتلأت بالمستوطنات والجدران العازلة التي قطعت القدس وفرقت جغرافيتها وأبعدتها عن باقي مدن فلسطين، بعد ان كانت السهول والجبال والوديان تنتظر من يبقيها حية تكمل بعضها بعضاً، وتعمر وتكبر بأهلها. وظلت هذه الرحلات في ذاكرة الطلاب وقد دونها جبرا إبراهيم جبرا في «البئر الأولى» وتذكر طلاب القدس رحلتهم إلى قرية عين كارم مشياً على الأقدام مع أستاذهم يحيى اللبابيدي وقد تعلموا عن الطبيعة والجغرافيا أثناء قضاء وقت سعيد في ارض الوطن. إلا ان رحلات البنات لم تكن مشياً وراء المعلمة كما في رحلات الأولاد، بل كانت الرحلة تتم بالباص، يغنين وينشدن الأناشيد المدرسية ويلوحن بأيديهن من الشبابيك بسعادة للمارة، وهن يستمتعن برحلات ترفيهية.
وظلت في ذاكرتي وذاكرة بنات صفي ومنهن سميرة البرغوتي، ولميا ناصر رحلة مدرسية إلى قرية عين كارم الجميلة ومتعة تناول الطعام تحت الأشجار وشرب الماء من «العين» النبع. وتعلمت البنات عن الأماكن الأثرية والدينية الإسلامية والمسيحية في القدس، وكانت زيارة المسجد الأقصى متعة كبيرة ظلت في الذاكرة، حيث قمن بالصلاة فيه لأول مرة بعد تعلم الصلاة في درس الدين. ولم تتوان البنات الاستنجاد ببعضهن البعض وبنت أخرى ساجدة بقربها وتخفض صوتها «بوشوشة» وهي تسألها:
–    ايش بعد «قل أعوذ برب الفلق…. ؟
ويأتي الجواب مع ابتسامة فيها عتاب على قطعها الصلاة وتجيبها:
من شر ما خلق…
وتستمر المستنجدة بإتمام الآية الكريمة:
«من شر ما خلق، ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد».
صدق الله العظيم
كانت بعض البنات عندما تنسى إحداهن خطوات الصلاة، التي تعلمنها في درس الدين
تنظر خلسة لجارتها وهي تؤدي الصلاة بالقيام والقعود ورفع الشاهد… وتفعل كما تفعل جارتها وتختم وتدير وجهها يمنة ويسرة وتقول:
–    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
–    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وتسأل البنات بعضهن بعضاً عما طلبن في دعائهن من الله وتكون الأقوال متشابهة
–    ان يطيل الله عمر أبي وأمي
–    ان انجح في درس الرياضيات.
كان بين الطالبات المسلمات اللواتي تعلمن الصلاة ودروس الدين في الصفوف، بعض الطالبات المسيحيات وظلت صورة ليلى الترزي «مسيحية» بنت صفي في مدرسة المأمونية حية في ذاكرتي وقد أتقنت دروس الدين الإسلامي واللغة العربية وتفوقت على الصف في درس الدين الذي لم يكن إجبارياً للطالبات المسيحيات.

في كنيسة القيامة
سعادة طالبات مدارس القدس كانت أيضاً كبيرة عندما يزرن كنيسة القيامة ويستمعن «للخوري»، يفسر لهن عن «العشاء الأخير».. و»السمكة» التي كانت كافية «لإطعام المسيح وحواريه» ويشير إلى الصورة الجميلة المرفوعة للمسيح وأمه مريم. وتضيء البنات من المسلمات والمسيحيات الشمع الأبيض في الكنيسة ويطلبن تحقيق الأماني. وظلت بذاكرتي الشمعة البيضاء التي أشعلتها. فالشموع كانت متوفرة بكثرة في القدس،  حيث تصنع في دار الأيتام السورية (شنلر) في مأمن الله ومعامل أخرى وتوزع على دكاكين المدينة. وازدادت متعة البنات في زيارة هذه الأماكن، وهن يتسابقن في الأزقة في طريق العودة ليشتري البعض منهن صليباً خشبياً مصنوعاً في بيت لحم من الدكاكين الكثيرة التي تعرضها للسياح أو مسبحة من الصدف تهديها للجد الذي كان يقص عليهن القصص الدينية، ويقرأ لهن من الإنجيل. أو لأنه كان يوم الأحد يصطحبهن للصلاة في الكنيسة، ويشتري لهن في طريق العودة الملبس والشوكلاتة والقضامة والبزر.

فستق .. دندرمة
كانت رائحة «فستق العبيد» السخن تحفز المارة لشرائها من الشاب عمر النيجيري المولد وقد أصبح جزءاً من أهل القدس، بعد ان حضر إليها في رحلة حج أبقته في المدينة المقدسة. واختار مكانه في ساحة صغيرة حددها لنفسه، أرضها ملساء من كثرة مشي التاريخ عليها ولتصبح وكأنها جزء من التراث ومسكناً للشاب الذي كبر فيه. وقد تركها بعد النكبة ليعرفه أهل عمان في قاع المدينة «بأبو احمد» ويستذكرون معه رائحة القدس مجبولة بعبق التاريخ. وهم يتذوقون «فستق العبيد» ذي الرائحة المغرية.
وظل صدى صوت الباعة في أسواق القدس القديمة في ذاكرة بنات القدس وهن صغيرات صبايا، أو جدات:
كعييك…… كعييك،
وبائع الخيار والبندورة….
أصابع الببو يا خيار…. أمه بتحبه يا خيار
وتسمع القرويات اللواتي يبعن التين والعنب وهن يتنافسن على الزبائن.
عسل يا تين… ندى يا تين… يا عنب الحلواني ما أزكاك ع أسناني.
وكانت بنات المدارس يقفن لشراء الدندرمة – البوظة – من البائع الذي ينادي بأعلى صوته:
دندرمة يا دندرمة
شكاريش يا دندرمة
وكانت القرويات يحملن السلال المليئة «باللوز الأخضر» والجرنك، والتوت، والخوخ، جلسن وراء أسوار مدرسة المأمونية والشميت، حيث كانت الطالبات يتهافتن عليها، وكان «الحمص الأخضر» أو الحاملة المشوية لبائعها موسم خير، وللبنات أجمل موسم وهن سابقن تلبية لندائه وهو ينادي:

حاملة يا ملان… مشوية يا حاملة
ومن أسماء البائعات الريفيات التي ظلت في ذاكرتي الطفولية كما في ذاكرة سور مدرسة المأمونية: عزية، وريا، وشكرية وفاطمة، ونعمة. وكن يأتين من القرى المجاورة مبكرات ليثبتن المرأة القروية كانت تساهم في زيادة دخل عائلتها. ساعدها ذلك كونها سافرة وأكثر حرية للعمل من المرأة «المدنية»، التي لم تقم بمثل هذا العمل المرتبط بالريف والزراعة.

المصدر

وليد سليمان

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment