بعد صدور كتاب الدكتورة عايدة النجار الجديد والذي خصص للحديث عن مدينة عمان ، حيث لاقى هذا الكتاب اقبال من الجمهور، كتبت عنه الدكتورة النجار مقالة في صحيفة الدستور جاء فيه:
في كتابي الجديد ( عمان بين الغزل والعمل ) خصصت فصلاً (359-367) يتعلق بما يسمى «الجرافيتي «، وهو الرسم والكتابة على الجدران، الذي يراه البعض «خرابيش « تشوه الأمكنة وتبين للكثيرين أن هذه الرسومات ليست خرابيش بالمعنى السلبي. فهي ليست فقط كلام وغزل محبين مراهقين مكبوتة، بل جزء من فن عمّ العالم شوهد على جدران مدن العالم المتقدم منذ حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وهي أيضاً رسائل اجتماعية وسياسية موجهة لمن يهمه الأمر. وقد عرفت هذه الرسومات والتعبيرات اللفظية الجمالية المتقنة أو غير المتقنة بما يسمى « بفن الشارع « على المستوى العالمي. وهي ظاهرة توسعت وكأنها تحكي مع المارة وتلوّح لهم بما تحمل من معانٍ ورموز، بعضها يساهم في خلق البهجة والتوقف عندها لتحليل جماله أو عدمه.
تعرفت على هذا الفن في نيويورك حيث لاحقت الجدران لأتفهم هذه الظاهرة وخاصة في انفاق المترو تحت الأرض التي تأخذ الى الشوارع المهمشة وبخاصة الفقيرة المحرومة «. لاحظت أن هذا الفن التشكيلي الشعبي قد تزامن ظهوره مع ظهور فنون أخرى حداثية عمّت شوارع العالم بابداعات متنوعة من الرقص «الهيب هوب «و»الغناء « الراب « والذي برز في باريس الشاب خالد الجزائري العربي الذي غنى معه شباب العالم أغانيه المشهورة «دي دي «وعايشة « في فرنسا والبلدان العربية على حد سواء.
فهذه الظاهرة الحداثية اصبحت جدالية تقبلها البعض ورفضها البعض الاخر إذ بدت لهم تشوه المكان. لم تمر عني هذه الظاهرة مرور الكرام وأنا أبحث عن ( الغزل والعمل في عمان ) الذي أخذني للتوقف عند جدران عمان الملوّنة، وأيضاً المرسومة بالخرابيش وخاصة في الشوارع الفرعية المهمشة التي اكتست باللون الرمادي الحزين بعد هجر من سكن بيوتها والانتقال للسكن في أماكن أكثر حداثة، وكما فعل أهل جبل عمان القديمة، الجبل الذي كان في الخمسينيات درة المدينة العصرية التي خلعت عنها ثوب الريف والزراعة في وسط البلد حيث كانت تتمدد وتسير مع سيل عمان الذي جف.ولكن هذا الصعود للمدينة اصبح اليوم بحاجة لإعادة الألق إليه بعد أن أصبح « قديما « من غير ألوان سعادة من سكنوا البيوت الاصيلة.
ظهر فن الشارع أو الجرافيتي في عمان بعد تلكؤ، وكانت أمانة العاصمة قد جربت تجميل وسط عمان في السبعينيات بتوحيد لون الجدران وأبواب المحلات باللون الأبيض، لتكون تجربة فاشلة، إذ اصبح اللون « وسخا « بدخان وعوادم السيارات، ولم يدم كما دام اللون الأزرق الذي اختارته تونس منذ عقود طويلة ليظل زينة وجمالاً.
تقبلت عمان، فن الشارع اليوم، بل عملت على تدريب الفنانيين لتجميل المدينة بمبادرة « بلدك « الشبابي الابداعي. وفي عام 2016 احتفى المشاركون بالرسوم على الجدران بمسيرة شارك فيها فنانو الجرافيتي مصحوبين بموسيقى طرب مع ضيوف من بلدان اخرى.
الجدارفي عمان وغبرها من المدن، اصبح اليوم مسطحاً يمكن التعبير عنه عما تحتاجه المدينة وناسها عما يجول في خاطرهم، وليس فقط كما يراه البعض خرابيش. فقد رسم الناس الرموز النضالية والجمالية والانسانية في دول العالم، على الجدران «، واصبحت تخيف وتغيظ الطغاة، كما هي الرسومات على جدار الفصل العنصري، حيث وجد نشطاء أطلقوا عليهم اسم « مقاومو الجرافيتي «، رسمت عليها صورة عرفات وتشي جيفارا، ورسومات» حمامة بيضاء «مرتدية واقياً من الرصاص « وأطفال يحفرون «فجوة في الجدار» وغيرها. انضم لهذا الفن الفنان الإيطالي ( أوغستو تشيرون )الذي لخص للعالم جمال النضال والعمل الوطني بصورة عملاقة للمناضلة عهد التميمي بشعرها الذهبي الذي اصبح أيقونة جمال المرأة في زمن تلوث انفاس الاحتلال والاستعمار الجديد الذي يحاول قتل الجمال وتشويه معنى الحياة. نعم للرسم على الجدران بشكل يسمح للناس للمشاركة بتجميل المكان الذي يحبون والتعبير عن حبهم له.