لم يتمكن أ.د. عدنان بدران أن يكون معنا في حفل اشهار كتابي الأخير ( عمان بين الغزل والعمل ) بسبب ظرف طارئ آلمنا جميعا وهو رحيل زوجته الفاضلة رحمها الله في ذات اليوم 1، نيسان، 2019، و قد نابت عنه في ترؤس الجلسة الأستاذة فالنتينا قسيسة ( رئيسة منتدى شومان ) مشكورة، التي شارك فيها أ. د. إبراهيم السعافين والأستاذ جميل النمري. في الوقت المناسب بالأمس، التقيت الإنسان الخلوق المثقف أحد صناع المدينة، وأسعدني تبادل الحديث معه وتعليقاته التي أكدت لي أن الرسالة والهدف من كتابي « عمان بين الغَزل والعَمل « قد وصلت «لمن يهمه الأمر « من الكتاب والمثقفين كما الكثيرين من محبي عمان مثلي ومثله كقارئ ومسؤول.
استرجع د. بدران معي فصول الكتاب وتوقف باهتمام بالغ عند أكثرها ومنها بدايات المكان والنسيج والتغيرات الاجتماعية والثقافية الكبيرة التي طالت عمان والناس. وذكر بعض البدايات في عمان العصرية ومنها التعليمية والثقافية التي تشكل شخصية الإنسان. توقف عند الأسباب النفسية العميقة التي تظل تلازم الإنسان منذ الطفولة، وبخاصة مرحلة بدء القراءة والكتابة، وعلق على كتاب «راس روس « الذي كان الكتاب الأول له مثلي لفك الحرف. علّق عليه ووصفه « بالمنهج الخلاق للتعليم الابتدائي» الذي وضعه خليل السكاكيني لتعلم اللغة العربية في فلسطين والأردن حتى 1948، وقبل أن تتغير المناهج في المراحل التعليمية المتتالية. ولعل القاء الضوء على ذلك الكتاب وواضعه ما يشير إلى اهتمامه بأهمية وضع المناهج والاستراتيجيات المناسبة في وقتنا الحالي، وبخاصة فهو المسؤول و الأكاديمي والمثقف الذي تسلح بالعلم والعمل في جميع مراحله الدراسية ، ليصل إلى أعلى المراكز التعليمية والثقافية والسياسية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
توقفت اهتمامه «بعمان القديمة من مكان وإنسان». و لفتني تعليقه على» النوستلوجيا « التي ظلت ملازمة لي وبنات المدارس ونحن نلبس مريول المدرسة المميز» المريول الأسود والقبة البيضاء» ليعود بنا الى صورة عمان بالأبيض والاسود « أو الصور» القديمة والجديدة «. سعدت أنني تمكنت في لقائه هذا منحي الوقت الكافي الذي عزز قناعتي حول أهمية التاريخ الاجتماعي لعمان . تذكر معي عمان وأدراجها وتجولنا من خلال الكتاب في الأسواق الشعبية، التي كما يقول :» كثيرون لا يعرفون عنها من الجيل الجديد الذي يهتم بالتطورات سريعة التغير في هذا الزمن ويجب أن نظل نذكر بها لنعرف الماضي والحاضر والمستقبل «.
أسعدني التوقف معه ، ومناقشة أهمية الثقافة الشعبية جنباً لجنب مع التطورات في مجتمع المعرفة الذي نسعى إليه بتأثير الانفتاح على العالم. ولا غرابة في ذلك وخاصة أنه عمل في منظمة اليونسكو في باريس المدير العام المساعد للعلوم في اليونسكو / باريس ، المنظمة الدولية التي تهتم بالتربية و التعليم والثقافة بجميع أنواعها. ولعل تعليقه على الثقافة الشعبية واهتمامه بالتراث المحلي، ما جعله يتوقف طويلاً عند إعجابه بالملابس التقليدية المطرزة وجمالها، واعتبارها من أهم مكونات الثقافة الشعبية العربية. بالإضافة فقد عزز اهتمامي بالثقافة الشعبية، عندما توقف عند بعض المهن والحرف الآخذة بالزوال، بفضل التطورات العصرية. وبدى لي أنه يحن لها ولأيام مضت وخاصة أنه يؤمن مثل مثقفي العصر بأن مصطلح الثقافة بشكل عام، هو « كل ما أنتجه البشر من أفكار وتصورات وعادات ونظم اجتماعية وسياسية ومداولات اقتصادية وفعاليات أدبية وفنية وتقانية عبر التاريخ. « فشكرا د. عدنان بدران على اهتمامك بالكتاب وعلى وقتك الثمين الذي منحته لي.