لفتني خبر صحافي عن مشروع « أبو غزالة « لتعزيز بقاء القدس عربية فلسطينية. أهدافه تخترق الحدود لدعم صمود أهالي القدس المحتلة وتثبيت وجودهم. يأتي المشروع « سوق القدس الإلكتروني « ، كرد على محاولات إسرائيل تهويد ما تبقى من القدس، وطمس المعالم المادية وغير المادية ؛ الثقافية والاجتماعية والروحية وإبعادها عن القدس عاصمة فلسطين. فهذه المبادرة التي اطلقتها مجموعة « طلال أبو غزالة العالمية « هامة كونها عملا غير مسبوق. ولا شك أن هذه المبادرة العصرية التي تتماشى مع التطورات التكنولوجية ستعزز التمسك بالقدس المكان وتقلل من تغول المحتل الذي يقوم بسرقة القدس من أهلها والمضايقة عليهم بشتى الوسائل لاخراجهم منها. بالإضافة، اسرائيل تقوم كل يوم بمنع المصلين من دخول القدس للقيام بالصلوات وخاصة يوم الجمعة ولم تكتفي بسرقة المباني وإسكان اليهود فيها والعمل بشكل مستمر على الحفريات تحت الأقصى، لزعزعتة وهدمه على أمل بناء الهيكل المزعوم مكانه.
وفي زيارة لي 2016 للقدس، سعدت وحزنت عندما عبرت باب العمود، وأنا أرى القرويات ما زلن صامدات في باب العمود لتسويق بضاعتهن المتواضعة التي تحمل رائحة القرى الفلسطينية من زعتر وباذنجان ودبس الخليل، وبائع الكعك بسمسم ينادي بصوته الجهوري» كعك القدس كعك القدس «، أمام دكان يعرض مجسمات خشبية وخزفية تتشبث بالهوية والتاريخ. لم أر باعة الجرائد الذين كانوا يتنافسون على إعلاء الصوت وهم يبيعون (جريدة فلسطين والدفاع، والجهاد ) وغيرها الكثير من الصحافة الفلسطينية المقدسية المزدهرة، في العاصمة القدس التي كانت تجمع المثقفيين من جميع المدن الفلسطينية والعربية، فقد غابت صحف القدس واذاعتها ليخفت صوتهم. بالاضافة فالملابس السوداء الخاصة باليهود وقبعاتهم التي تنتشر في السوق تلفت لمدى ما وصلت إليه المدينة من تغييرات سلبية تحت الاحتلال . ورغم ذلك، فما زالت أسواق القدس القديمة على مر العصور تحمل أسماءها القديمة الحيّة المتخصصة منها : سوق البازار،الباشورة،الحصر، الخواجات أو أفتيموس، الدباغة، العطارين، حارة النصارى، سويفة علوان، وباب خان الزيت وغيرها من حارات وأزقة متلاصقة، وكأنها تحتمي ببعض من أطماع المحتلين. تغيير معالم القدس من قبل إسرائيل، يهدف بالدرجة الأولى طمس صور الماضي المجيد، لمدينة عمرها آلاف السنين، لمحو الهوية والحركة اليومية المعاشة لمن تبقى في القدس من العرب المسلمين والمسيحيين.
الإعلام الجديد أحد أدوات التكنولوجيا والمعرفة في هذا المشروع، تتحدى الاحتلال، وتعزز صمود أهل القدس في هذه المدينة التي لا يضاهيها مدينة أخرى في العالم. يعاني أهل القدس اليوم من الممارسات الاسرائيلية لكي لا يتواصلوا ولا يتذكروا ولا يلتصقوا بالهوية الفلسطينية المتجذرة في الحجر والتراث. فإسرائيل ما فتئت تعمل لمحو صورة وصوت الفلسطيني تحت الاحتلال ، كما أصبح واضحاً أن إسرائيل تخاف من الماضي والحاضر وما فيه من أدوات عصرية تحافظ على الهوية الفلسطينية والاجتماعية والثقافية.
المشاريع العلمية التكنولوجية التي تسمح للتواصل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، هامة بالنسبة لصمود القدس بأساليب وأدوات عصرية. فقد كان الفلسطينيون، وكما يدل تاريخهم الاجتماعي والثقافي من الفاعلين والمشاركين في صناعة الوطن قبل الهجرة، ولا يزالون، بالرغم من تنكر أمريكا المتحيزة لاسرائيل، والمستمرة بمدها بالقوة، علّها تنسي الفلسطينيين وطنهم المحتل وأولها القدس التي أعلنتها بوقاحة « عاصمة دولة إسرائيل الأبدية « متحدية الجغرافيا والتاريخ. المبادرات العلمية والاجتماعية والاقتصادية الجادة، مثل هذا المشروع إذا سمح له أن ينجح، يعزز صمود القدس بالاضافة لمن يحميها، هي مشاركات ذات اهمية خاصة في الوقت الذي ينذر ويهدد بالخطر الذي سيتوضح أكثر في الأسابيع القادمة، وأمريكا وإسرائيل تتحفز للكشف عما تختزنه «صفقة العصر» من مخاطر ودسائس على الفلسطينيين والقدس.!!