عندما تخصصت في وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري بما فيها الصحافة الورقية وأخواتها الإلكترونية، بالمفهوم التقليدي قبل عقود من الزمن كنت مزهوّة , أن أكون من الأوائل خاصة أنني تخرجت من جامعة مرموقة “سيراكيوز” في الولايات المتحدة . . كنت أحلم وأنا في مرحلة الدراسات العليا كيف سأستعمل هذا العلم الذي يقول: “المعلومات هي قوة “ للدلالة على ما لـ “صاحبة الجلالة (الصحافة والإعلام) من منزلة وقوة التأثير على المتلقي .
كان في الأردن صحف مرموقة وكان يعمل فيها أساتذة كبار تخرجوا من مدرسة الساسة و الحياة , وكان للصحافة هيبة وقوة , ولم يكن في الأردن كلية إعلام قبل انشاء أول كلية في جامعة اليرموك. وعاشت الصحافة في الأردن تنمو بشكل متدرج حتى وصلت درجة جيدة -رغم المنغصات- ومن ذلك حرية الصحافة. ولكنها كانت بالمقارنة أخف وطأة على الإعلام والمتلقي.
كانت وزارة الإعلام هي الجهة الرسمية المسؤولة عن الإعلام بما فيها من راديو وتلفزيون. ولم تكن العلاقة -في غالب الأحيان- حميمية بين الصحافة والوزارة , سواء أكانت المحلية والدولية , بسبب عدم وجود “حرية صحافة “بالمفهوم الإنساني والمهني العالمي , وعدم الالتزام بأن حرية الصحافة هي جزء من حرية حقوق الإنسان كما تنص عليه القوانين الدولية .
ولم يكن الأردن آنذاك وحده يخالف هذا القانون بل أكثر الدول العربية . وكانت هذه الصفة إحدى صفات الدول” الاتوقراطية “ أو المختلطة في العالم الثالث كما قسمها المتخصصون بالسياسة والإعلام .
وبالمقارنة كان مفهوم حرية الصحافة شيئا مهما كما تعلمنا في جامعات “أمريكا الديمقراطية “. فقد علمونا عن أهمية الحرية والاستقلالية من أجل دور فعّاّل في إيصال الرسالة للمتلقي و التحليل والتعليق , والتأثير على الرأي العام.
وتعلمن اليوم أيضا من الواقع أن أمريكا تتلاعب اليوم بمفاهيم الديمقراطية والحرية كما يحلو لها خدمة مصالحها في العالم . ومن أجل ذلك نرى الفوضى الخلاقة تعيث بنا فساداً.
كانت حرية الصحافة بالشكل الديمقراطي مفقودة بسبب المراقبة الشديدة على الإعلام . فوزارات الإعلام في “العالم النامي” أو “ العالم الثالث “ كانت مفقودة ما ساهم بخلق كثير من المشاكل وعدم قدرة الموظفين أو الصحافيين القيام بالدور المنشود للصحافة أو الإعلام كونه إعلاماً رسمياً يعبر عن رأي الدولة وليس الشارع ونبضه.
وبالرغم من إلغاء وزارة الإعلام في الأردن ككثير من الدول النامية واستبدالها بمجالس إعلامية أو غيرها من المؤسسات أو تلخيصها بالناطق الرسمي، لتضيّق الحريات أكثر وتسبب وضعا متأزما .
وبالمقارنة فإن وضع الصحافة في الأردن اليوم بيعث على الألم لما وصلت اليه الصحافة من حال، في الوقت الذي يوجد في الأردن ذلك العدد الضخم من خريجي كليات ومعاهد الصحافة التي جذبت الشباب إليها وكان يحلم وهو يتعلم أنه سيكون له دور في عملية البناء.
ومن يقرأ تقرير تقييم “فريدم هاوس” الذي صدر مؤخرا ليرى أن حرية الصحافة في العالم بشكل عام في تراجع .
ويقول التقرير هناك نسبة ضئيلة جدا تبلغ 14% فقط من سكان المعمورة يقرأون صحافة حرة .
ومن الملفت أن وضع حرية الصحافة العربية متدنية ما يؤدي الى تراجع في أخلاقيات الصحافة والمهنة ويساعد الابتعاد عنها . ولعل التغيرات في أدوات الاتصال الحديثة والتكنولوجيا التي تمنح حرية لا محدودة للفضاء ما ساهم بمحاولة التشديد والتضييق على الكلمة والصورة والسمع .
وللعودة لأهمية حرية الصحافة الجدلية منذ عقود من الزمن في الأردن , لنرى أنها لم تتقدم بل قد تكون في تراجع في تراجع. ولعل خلق ثقة بين الجهة الرسمية والصحافة هي الأهم في بناء أحد أهم بنود حقوق الانسان وهي حرية القول والتفكير وإبداء الرأي وتقبل الرأي الآخر . ويبدو واضحا أن ما يجري في عالمنا العربي من أحداث سياسية متضاربة و من المفاجأت المتتالية لا تسمح للصحفي الوصول الى المعلومات الموثوقة , بالإضافة لرؤى واضحة كون الإعلام هو الوجه الآخر للسياسة.
ما يدفعني للكتابة في هذا الموضوع أنني لم أفقد بعد اهتمامي الكبير بدور للصحافة والاعلام و ما زلت اعتبره من أهم العوامل في الوصول وتثقيف الرأي العام وتسليحه بالمعرفة التي تعد قوة . فحرية الصحافة في مثل هذه الظروف الصعبة والمتأزمة في عالمنا العربي والمخاطر التي تحيق به أحوج لما يريده المواطن الجاهل , أو الواعي.
ولا بد من وضع معايير ومفاهيم واضحة تساعد الصحفي المهني بالكتابة المهنية، وتساعد القارئ على الاستفادة والتفهم , وتساعد الجريدة أو الوسيلة الإعلامية على أن تستمر بالعطاء ماديا ومعنويا .