أقوم من مدة لأخرى بجولة خاصة , أمشي بها الهوينا في قاع المدينة وقد أصبحت عادة لي , وكأني أفتش عن الماضي والحاضر . أذرّع شارع المهاجرين , لا أبحث عن مكان . أمشي لأخر الشارع أتوقف هنا وهناك ليس بدافع حب الاستطلاع , فالمدينة مدينتي أعرف شوارعها عندما كنت وإياها صغيرين . . أتوقف احيانا عند مكان له ذاكرة لاتزال حيّة . ولغير سبب , توقفت في جولتي الاخيرة عند أكثر من مكان أثير في نفسي . أحداها محل بيع العصير الطازج , و قد اصبحت عادتي شراء عصير الجزر المعصور أمامي . وقد اخترت هذا النوع من “ الفاكهة “ليس لأنني احبه لفوائده الصحية لعيوني كما كانت المرحومة أمي تشجعنا على ذلك فحسب , بل , لأن عصّارة الجزر في البيت تترك الأثار التي بحاجة للتنظيف وتضييع الوقت . وكأن كوب الجزر , يأخذني وعيوني أصبحت أكثر لمعانا وأوضح رؤيا .
وأتساءل , لماذا في هذه الجولة , توقفت عن “المنجد “ ولم أمر من أمامه مرور الكرام كالعادة . فأنا أنام على فرشة افرنجيّ لها” زنبركات “ , وليس على فرشة صوف مثل فرشات أيام زمان ولن أبدل ما لديّ بغيرها . وأتغطى بلحاف ريش الماني مستورد يقضي على برد الشتاء , وإن كان وزنه أخف من اللحاف الذي يعمله هذا الرجل المهني الماهر . سعدت وأنا أرى المنجد , يرفع القطن الى أعلا وينزله ويفرده على الساتان الزهري , ثم يبدأ غرز الإبرة الكبيرة بخيطه القوي , وبعجلة تثير الاعجاب . بعد دقائق , أخذت الزخرفة تنتج بداية للوحة جميلة , ستأخذ طوال يومه لانهائها . استأذنت أبو حسن , أن أجلس على كرسي القش في معبر الدكان واسع الباب على الشارع . سعد أبو حسن من اطرائي له على عمله , على هذا الصناعة التي حسبتها قد انقرضت .إلا أنني تأكدت أنها لا زالت حيّة ومرغوبة , ولها من يطلبها أو يشتريها . وقد أكدت لي أم مصطفى وهي تصحب ابنتها سلمى للمحل , لأخذ لحاف العروس الذي أوصت عمله باللون الازرق ورسمة النجوم والاقمار . رحب أبو حسن بالضيفتين , وأكد ان اللحاف جاهز . ادار ظهره وصاح ونادى العامل ان يحضر لحاف العروس الأزرق الذي أفرح العروس الصغيرة التي تلملم جهاز عرسها قبل أن يتم بعد اسبوعين . سعدت أنا أيضا بحضور فرح في عينيهي , وبخاصة وأنا ابحث عن التغيير في يوم عاديّ , يساهم قاع المدينة عادة , بقصة أو حدث , تخلق الفرح في نفسي .
عندما توقفت لأرى كيف يصنع المنجد لحاف العروس , اكتشفت أن هناك في عمان , أماكن وأعمال تقليدية يدوية يجب الحفاظ عليها .وهي أيضا تجذب السياح لصناعة اندثرت عندهم واستبدلوها بلحاف مثل لحافي أبو الريش , المصنوع في المصانع المتطورة . الهروب من الجبل الى قاع المدينة , يمكن أن يصنع رحلة , يكتشف بها الساعي الى ما يزيل الغم و حبس الالوان عن النظر . فإلى صديقي منجد لحاف العروس الأزرق , تحية , والى العروس سلمى التمنيات بالسعادة , والى أصدقائي دعوة للتسكع في قاع المدينة . !