لا نستطيع أن ننكر اليوم أن التواصل الاجتماعي ، واستعمال أدواته التكنولوجية والرقمية أصبحت جزءا من حياة كل من امتلك جهازا ذكيا أو”غبيا “. وقد اصبح لها تأثير على السلوكيات ، بين الكبار والصغار كما بين الذكي وغير الذكيّ .و يبرز ذلك بشكل واضح من خلال استعمال هذه الادوات . فمصطلح التواصل الاجتماعي يفهم منه التفاعل عن بعد ، بتوصيل الرسالة الى شخص ما أو مجموعة من الأصدقاء ، أو الافراد” المتواصلين “ لكي يصبحوا أصدقاء وبينهم شيء مشترك . . ما يزعج فعلا هو استعمال الاجهزة للتواصل غير المحبب وهو اللجوء للهروب من الواقع. وقد أصبح الاباء يشكون من تأثير هذه الالة على سلوكيات الجيل الجديد الذي يهرب من الجيل القديم وإن كان يعيش معه في نفس الدار .
وتشكو إحدى الصديقات بشكل جاد عن ابنها وعمره 12 سنة الذكيّ والمغرم بوسائل الاتصال ، “ إنه لا يتواصل معنا بقدر ما يتواصل ، مع أصدقائه ، أو الهروب الى الالعاب الالكترونية ليختلي بنفسه في عالم افتراضي وتشكو الأم من الفجوة التي كما تقول خلفتها هذه الادوات .
ولعل صديقتي على حق، فإن ظاهرة الهروب من خلال أدوات الاتصال ، وبخاصة والشخص يترك من حوله ، ليتواصل مع من هم خارج الغرفة أو مع نفسه بالألعاب الالكترونية في الوقت الخطأ . وهذا بالطبع من غير اللائق في الاتيكيت والسلوك الاجتماعي السليم . لقد وجدت نفسي مضطرة لمثل هذا العمل “غير المؤدب “للخروج من الأزمة و لاقفال باب النقاش بموضوع جاد قبل البدء به ولمعرفتي بالشخص الذي كان يتصيد الفرصة للنقاش العقيم ، ينقد ، ثم ينقد ، ثم ينقد دون وضع حلول . ولم أشأ إفساد الجلسة في نقاش عقيم ، اعتبرته غير مفيد وخوفا من افساد العلاقة وبخاصة عندما تكون وجها لوجه .
ولعل أكثر ما يسيء “ للمثقف “، عندما يستعمل الفيس بوك لاجراء حوارات سياسية واجتماعية واقتصادية جادة تحتاج لمعلومات كافية ، وعقل نقدي وتحليلي . وقد حسبت في بداية استعمالاتي الاكترونية أن ذلك مفيد ، وجربته ، فوجدت أنه لايفيد بل يسيء إذ لم أتمكن من ايصال الرسالة بشكل صحيح . وجدت أن وضع مقالة طويلة على الفيس بوك ، لا زبائن لها ،و أن اختصارها بشكل ممسوخ ، لا تفي بالغرض . ولكن يتم التواصل بشكل اجتماعي غير مكتمل الولادة والنمو في أغلب الاحيان . وأعتقد أن الكثيرين من” الجيل القديم “يشاركوني بهذا القول . وقد أصبح من الصعب التخلي عن التواصل الاجتماعي ، عندما تصلني رسائل تحمل الجديد المختصر والصور الجميلة أيضا . وبالطبع فأسهل طريقة هي استعمال” لايك “ . الا أن التواصل الاجتماعي بلا شك ، يعمل كوسيلة علاقات عامة جيدة ، بشكل مباشر وغير مباشر إذا استعمل بتعقل وليس بشك لحوح .
ولا بد من القول إن وسائل الاتصال الرقمية الحديثة التي لعبت دور الصحفي الحر من غير قيود ، ساهمت في تشجيع الجيل الجديد المتغيّر كل يوم على ممارسة الحرية والديمقراطية . ومع ذلك فهناك” جاسوس” خارجي يتجسس على الرسائل ، بل يعتقل من يبدي أراءه الوطنية . فقد قامت اسرائيل مؤخرا كما تقول الاخبار و بعد تجسسها على نشطاء في فلسطين بحبسهم ، وكان الفيس بوك صديق المستعملين جاسوسا تقرأه اسرائيل بتمعن .
فقد أصبح الناس غير آمنين في بيوتهم . وبالرغم من اهمية التكنولوجيا في نقل المعلومات والثقافة و حضارات العالم ، فهي ايضا مهدت وساعدت الكثيرين على التعدي على الخصوصيات الشخصية . وتوسعت وسائل الرقابة الفكرية والثقافية ، بالاضافة للأيهام أن هناك حرية مطلقة ، ولذلك تمادى الكثيرون باستعمال الانترنت استعمالا يخل بالاداب .
ومع ذلك لا بد من الاعتراف أن الكثيرين ادمنوا على الانترنت والفيسبوك وغيرها ، ونحن احوج ما نكون اليوم في عالمنا العربي الضائع والمعذب للاستعمال الافضل . ما نريد، أن يتقن الجيل الجديد استعمال التكنولوجيا الحديثة ، وأيضا تعليمها للجيل القديم لكي يملأ الفراغ والفجوة التي تخلقها هذه الادوات التي لا يمكن الاستغناء عنها . ولا أعتقد أن هذا صعب إذا ما فهم الكبار والصغار أهميتها وتشاركوا بتوظيفها لخدمتهم في عالم واقعي وليس في عالم افتراضي كما الكثيرين .