غص مدرج قصر الثقافة بتاريخ 18 نيسان بالشباب والشيوخ من الجنسين لحضور أمسية للشاعرمريد البرغوثي وابنه الشاب الجميل الشاعر تميم البرغوثي وذلك تكريما للزوجة والأم الراحلة الأديبة المصرية الموهوبة رضوى عاشور .
وأي تكريم رائع وراق، ممن يحملون الحب والثقافة الحقيقية التي جعلت هذه المناسبة ناجحة بامتياز، ونجاح هذه المناسبة تم بتعاون جاد وملتزم بين مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافية التي ترأسها فالنتينا قسيسية وانكتاب، وهي مؤسسة ثقافية شبابية غير ربحية وقد اتقنت العمل الذي نريد.
وأتقدم بالشكر لمن يتقنون العمل بمثل هذه المناسبات في الأردن، لأننا لا نشكو كـ “العادة“ كما في مناسبات عدة، بل نرجو أن يكون انموذجا يقتدى به .
وقف الشاعران كلاً على منصة منفرداً , أحدهما على اليمين والآخر على يسار المشاهدين، تحت إضاءة فنية مريحة، تناوبا على القصيد بشكل جميل ليكمل كل منهما دوره لفترة وجيزة، يشير بعد انتهاء الفاصل بيده للآخر ليقول قوله شعرا, ثم يستريح على كرسيّ يجلس عليه ليخمد نار الشِّعرِ الملتهبة والتصفيق الحار يزيدها لهيبا , سواء بالفصحى التقليدية أم بالعامية المصرية المحببة.
وكأن الحدث مسرحية فنية حية وواقعية تمثل ما قالته الراحلة “رضوى عاشور” في أحد كتبها( فرج ): كونوا واقعيين، واطلبوا المستحيل “.
ولعل ما جعلني أتفاعل مع الحدث، ما كان يدور في ذهني من أسئلة , شاعران مبدعان , ذكيان , منتجان ناجحان، فما هي الأسباب في هذه الموهبة , هل هي وراثية، أم ذكاء، أم جينية ؟
ولعل ما نعرفه عن ذلك أن الشعر والقول فيه منذ القدم , للعرب وغير العرب في الثقافة والحضارات المختلفة محيّر ومختلف , ولكن له مفاهيم مشتركة كشف عنها مع تطور العلم والمعرفة والدراسات البحثية الجادة . بعض هذ النظريات عند العرب في الجاهلية ان الشعر موهبة تقترن بقوى غيبية ويربطون الموهبة بشياطين الشعر .
وأن الشعراء يستجيبون لطاقات خارجة عن إراداتهم تملي عليهم أشعارهم، ولم يبتعد اليونان عن ذلك إذ كانوا يربطون هذه الم وهبة “بربات الشعر“، ولعل ما سمعناه من شعر تميم في هذه الأمسية , خاطب فيه” الآله هبل “وضحك على اسمه وهو يقول”اسمك مضحك“ لأنه رمز لـ”الحاكم المتسلط” الذي يشبهه بتصرفاته غير المسؤولة.
وفي دراسات علماء النفس التي بدأها أرسطو فقد ربط الشعر بالانفعالات النفسية واختلاجات تجيش في ضمير الشاعر , ولها مفردات عدة هي: الموهبة والقريحة والعبقرية والملكة.
اقتنعت بعد هذه الأمسية الشعرية الشيّفة أن الشعر أيضا , موهبة موروثة، تلعب “الجينات“ الفسيولوجية دورا أساساً، بالإضافة لعوامل أضافية تعززها.
إلا أن الجوانب البيئية، كما يقول العلماء لها تأثير واضح على الإنسان ليصبح شاعرا . وهنا لا بد من وقفة عند تميم البرغوثي الشاب ابن مريد الناضج , وروضة الأديبة ليعزز ذلك.
فلولا أسرته الداعمة له والموجهة والمعلمة لصقل الاستعداد لما نمت هذه الموهبة والطاقة الى هذه الدرجة العليا . فقد ولد تميم وعاش في بيت مثقف يقرأ ويكتب ويناقش وينمِّي الذكاء، ولا شك أن البيئة تكمِّل العوامل الأخرى وتنميها وتشحذها وليس الاستعداد وحده هو السبب.
وكذلك وإبداعاتهم الاجتماعية والتطوعية والاقتصادية، وقد كان الاهتمام أقل بالإبداعات الثقافية التي كما نرى آخذة بالنمو.
ولعل هذه المناسبة احداها، وقد شارك فيها عدد من الشباب المتطوعين لإنجاح الحدث . والأهم أن التشجيع على القراءة والقيام بالمشاريع المتعلقة بها منذ مرحلة الطفولة المبكرة وفي المراحل اللاحقة بدءا من العائلة والمدرسة والمجتمع بمؤسساته الرسمية والمدنية إحدى لبنات لخلق كتاب ومبدعين، وأيضا شعراء يقولون الشعر في الحب والحياة.
فشكراً على هذه الفعالية التي بلا شك شحذت مشاعر واستعداد الكثيرين من الآباء والأمهات والأولاد والبنات للقراءة من أجل صنع الابداع !