في رمضان من كل عام ، كما هي العادة، يقوم أكثر الناس بمشاهدة المسلسلات التي تتنافس عليها محطات الفضائيات العربية والهدف من ورائها بالدرجة الأولى الربح  إذا ما كانت ناجحة  وعليها إقبال من المشاهدين. وتكون هذه المناسبة  في زيادة  الإعلانات الدعائية المناسبة في هذا الشهر من مأكل وملبس وغيرها  ، بالإضافة فإنها تقوم بعمل اجتماعي وثقا في بشكل عام  ولتعود عليها بالفائدة المادية والمعنوية . وقد دأبت على مشاهدة المسلسلات  كغيري من المشاهدين منذ سنين، أختار منها عادة مسلسل تاريخي وأخر سيا سي بنكهة  عاطفية فيها حب معذب، أو بنهاية سعيدة  بعد المفاجأ ت  . وفي هذا الرمضان الذي يجئ دون التلهف على مشاهدة أي شئ  بسبب ما يجري حولنا من مأسي في عالمنا العربي . ساعدني الحظ،  باستمرار عرض الجزء الرابع الذي أشاهده  من المسلسل التركي “  حريم السلطان “ أثناء  الشهر ، ليوفر عليّ الوقت لاختيار مسلسل تاريخيّ  أخر جديد من بين العدد الكبير المتواجد  واكتفيت بمتابعته .  أما المسلسل الأخر الذي أشاهده فهو “حارة اليهود “. الذي أثارت اسرائيل حوله الشكوك كالعادة، بأنه عنصري  بعد حلقتين فقط من بدء  لتتراجع، وترى فيه عناصر انسانية .


في مسلسل” حريم السلطان الطويل “والذي دعوت الكثيرين من أصدقا ئي لمشاهدته لكي  أجد شيئا مشتركا للتعليق والملاحظات عليه ، كأسلوب مناسب لتبادل الرأي في بعض الأحيان  لتلافي النقاش في الأخبار السياسية  الاستفزازية المختلفة هذه الأيام  . وفي المسلسل، أتابع  بشكل دقيق شخصية” السلطانة خرم  “ الجارية المقيتة بالنسبة لي  التي كان اسمها روكسيلانة –  وقد  استحوذت على عقل وعاطفة السلطان سليمان القانوني  لتكون وراء كل المأ سي التي حصلت للأفراد والجماعات بسبب قوتها وطمعها وتعصبها لأولادها على حساب الأخرين من أولاد السلطان . فقد  كان دهاؤها ومكرها وراء  قيام  “السلطان العادل “ بقتل إبنه  البكر مصطفى من زوجة أخرى  خوفا على توليه العرش في المستقبل بدل أحد ابنائها، بالإضافة لقتل غيره من العاملين المقربين من السلطان، لتبقى مصدرا للدسائس  والطمع بكل شيء .


حفزني المسلسل، ألا أكتفي بالمشاهدة، فحسب، بل توسعت بالقراءة عن الشخصيات الرئيسة بالمسلسل الذين جاؤوا بالفترة الزمنية التي تحصل فيها الاحداث  . وقرأت عن  “خاصكي سلطان”، أي محبوبة السلطان . وتوقفت طويلا عند، التكية المعروفة بكنيتها  في القدس .وكانت التكية  قد بنيت كوقفية في  القدس عام 1552 م . و تتكون هذه المؤسسة  من مسجد منيف، وعمارة فيها مطبخ كبير وفرن ومكان للمؤونة .  وكان الفرن يخبز يوميا الفي رغيف  . وفي رمضان والأعياد ويوم عاشوراء كانت تقدم الأطعمة الخاصة، فكان الأرز يلّون بالزعفران ويحلّى بالعسل .وفي أيام الجمع كانت يقدم لحم الضأن . وقد وقفتها على الفقراء والمساكين  .  بالإضافة لذلك كان  حول المسجد 55 حجرة وقفتها على المؤمنين والاتقياء  والموحدين  والدراويش . . كما وقفت خانا واسعا على أبناء السبيل . ولكي تضمن استمرارية خدمات المؤسسات وقفت الكثير من أوقاف سناجق وقرى  وأجزاء من قرى  بلغ عددها 16 قرية . وقد اقتضت المؤسسات المختلفة التي  أقيمت من تشغيل ما يزيد عن خمسين موظفا.


استمرت وقفية  تكية خاصكي سلطان لعنايتها من اسطنبول مباشرة في مراحل مختلفة؛ ما عمل على استدامتها . وظلت التكية  ببنائها القديم في القدس، تطعم اكثر من 500 شخص يوميا، ويقوم الاشراف عليها دائرة الأوقاف الاسلامية لتشمل قرى  جبع وعناتا وحزما ومخيم شعفاط ، بالرغم من الممارسات الإسرائيلية تحت الاحتلال لمنع مساعدة الفلسطينيين  الذين ارتفعت نسبة البطالة  والفقر بينهم تحت الاحتلال . وهي جرائم حرب سيحا سبون عليها  من خلال المحاكم الدولية  التي تمكن الفلسطينيون أخيرا من تقديم الشكاوى ضدها لما قامت به من أعمال إجرامية بحق الناس في حروبها الوحشية المستمرة يوميا . وقد تسهم المساعدات القليلة المتبقية من تكية خاصكي سلطان في القدس   من الترحم عليها  من قبل  الفقراء الذين لم يفقدوا يوما كرامتهم وهم يدافعون عن أرضهم بالجوع والشبع، وها أنا” أترحم عليها معهم”،  رغم  كرهي لها لأنها لم تكن تحترم إنسانية الإنسان . وسأتابع مجريات قوة وضعف الإنسان أمام الخير والشر  وأمام الموت والحياة ؟

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment