طفل جميل، يبدو فرحا مع والديه وهو يجر “عرباية” في مول واسع في عمان يكاد طوله ورأسه الجميل يصل قمتها . لفتني وهو يتنطط في المنطقة المعروض فيها الأدوات المدرسية التي كانت الأبرز في المحل بمناسبة قرب افتتاح السنة الدراسية الجديدة . وبفضولي الملح وحبي للاطفال ، توقفت وسألته ، هل ستذهب للمدرسة ؟ وأجابني والده، هو في الصف التمهيدي ومتحمس للعودة الى الصف الاول ، ويستعد لذلك بحماسة كبيرة .
حرصت أن أراقب حاجياته التي تكاد تكون مثل أدوات المدرسة أيام زمان ، رغم التحولات الكثيرة التي حصلت ، منها الكمبيوتر ، والادوات التكنولوجية التي اصبحت تدرس في المدارس . سعدت لأن الصين ، لا تزال تصنع” المعد / العداد “ الذي كان احد أدوات درس الحساب ، وكان سعيدا عندما وضعه في السلة مع اللوح والمحاية .وبصوت عال سعيد وضع في العرباية الكبيرة مثل أحلامه اللوح والدفاتر المزينة برسومات ، وورق التجليد ، ، والبراية ، والقطع التي يكتب عليها الاسم ، والمقلمة ، ووقف أمام” الديسك “ الجميل ، الأكبر من حجمه وجلس على الكرسي وكأنه يقوم بعملية تدريب على شيء جديد . ولم ينس الشنطة التي تلبس على الظهر ، وانتقى المرسوم عليها زخارف لباس الجندي التي أصبحت موضة منذ سنين بين لبس الأولاد في المراحل المختلفة ، بفضل استغلال المصممين لجذب التجار والزبائن . ولم تنس الأم مطرة الماء وصحنا وكأسا لونه زهري، المفضل عند البنات وليس الأولاد ، ولجمال اللون اختاره ، وكأنه يعرف أنه لوني المفضل الذي يلازمني منذ الطفولة .
تركت الطفل الذي” تخرج من التوجيهي كما أخبرني “ .. التوجيهي الكلمة التي أصبحت على لسان الكبير والصغير، ولعل أصوات طلاب التوجيهي الذين ملأوا الشوارع بأصواتهم السعيدة وهم يجوبون الشوارع بسيارات الفرح لأنهم سيعبرون بها للجامعة والحياة الجدية . أسامة الطفل الجميل ، رأى في “ كلمة التوجيهي “ تلخيصا لسعادته دون معرفة معناها واسقاطاتها المستقبلية .
وفي هذا السياق ، فقد ساد اللغط في الاسابيع الفائتة حول موعد افتتاح المدارس في المملكة ، كعادتنا عندما نمسك بموضوع هام أو غير هام . والتعليم وأهميته كان ولا يزال الأهم على أجندة المخططين من أجل نوعية أفضل . وفي الفترة الأخيرة ومنذ سنين كان الجدل في أعلى مستوياته حول نوعية التعليم ومستوى مخرجاته في جميع المراحل .وضعت الجامعات على رأس اجندات المسؤولين للاجابة على الاسئلة لماذا” تدني” مستويات الخريجين ، وقد شمل ذلك مناقشة مستوى الاساتذة والمعلمين ، حيث بينهم مستويات غير متكافئة في جودة الكفاءة والعطاء .كما هو معروف أيضا المشاكل الكثيرة التي نجمت عما يجري في المنطقة من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية مما زاد الطين بلّة في البحث عن حلول ومخارج لاستيعاب الاعداد الاضافية المتلهفة على استمرار تلقي العلم حتى يعود كل الى بلده ’ كما الطلاب السوريون و العراقيون فرّج الله همهم . ولعل الازمة الاقتصادية التي تعصف بالاونروا المسؤولة عن تعليم الفلسطينيين منذ عام النكبة لتزيد الوضع قتامة ، وهو موضوع يستحق وقفة أطول ، نعود اليه في وقت آخر . إن التعليم بكل مستوياته بحاجة الى المزيد من الاهتمام ، والاخذ به الى شاطئ الامان ، خوفا على الاطفال من الغرق في بحر “ التوجيهي “و المشاكل المتوارثة في حياتنا الحالية وتناقضاتها ، وذلك من أجل أن يستمر فرح الأطفال وهم يشترون القلم والمحاية وعداد الحساب .