صديق من القراء يعلق في كثير من الأحيان على ما أكتب بالهاتف ، عاتب عليّ لأنني” لست غضبانة كما ظهرت له خلال الاسبوعين الماضيين . ويأتي هذا العتاب المحبب ، لأنني لم أكتب عما يجري في القدس وفلسطين . قلت له “لا يا صديقي ربما لم أكتب من شدة غضبي وليس تقاعسا “ . والحقيقة أنني كنت منشغلة في متابعة كتاب” أؤلفه “منذ حوالي ثلاث سنوات عنوانه ؛ ( لفتا يا أصيلة : خريفية قرية ) وسيوزع قريبا . وهو عن قرية لفتا إحدى القرى الفلسطينية المهجرة والمقعرة سقوف بيوتها بفعل الاحتلال لكي لا يرجع أهلها اليها كما بقية الخمسمائة قرية طرد أهلها منها للشتات أو الموت .
غضبي كبير اليوم – في يوم الغضب الفلسطيني – الذي دعت له- القوى الوطنية والإسلامية في فلسطين – ضد ما تقوم به إسرائيل من ممارسات متواصلة بعسكرها وسلاحها ضد الفلسطينيين المقاومين لعدوانها لاحتلال المسجد الاقصى . غضبي اليوم مكثف يزيد ما امتلأ دماغي من ويلات الشعب الفلسطيني ونكبته التي لا مثيل لها ومحاولة طمس كل ما يمت لهذا الشعب الجبار من تراث وحضارة وثقافة . ويزداد هذا الغضب الممزوج بالألم لما يجري في فلسطين وسقوط الشهداء من كل الأجيال ، الأطفال والنساء والشيوخ على أيدي محتل غاشم لا يلتزم بأي خلق أو قانون إنسانيّ ، وكما حصل منذ تآمرت عليه القوى الغاشمة ومنذ وعد بلفور 1920- 1948 ولتسلم الشعب لعصابات أصبحت “ممتازة “ في قتل الإنسان وقلعه من أرضه حتى اليوم .فالقدس اليوم تقع تحت قبضة حديدية سامة ، وكأن الوقت قد أزف لتحقيق حلم الصهيونية واليهودية المتطرفة بهدم المسجد الاقصى وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه .
لقد أغلقت السلطات الاسرائيلية مرارا أبواب القدس في وجه المصلين الذين يأتون للصلاة كل يوم جمعة من الأماكن الممكن الوصول منه للمسجد . إلا أن الجديد والقديم ، هو هذا الإحتلال اليهودي المتطرف الذي لم يستطيعوا إخفاءه ، ألا وهو استباحتهم ليس فقط لباحات الحرم بل لداخله “للقبة الذهبية “ التي طالما اغاظتهم . لقد فعلوا كل ما يستطيعون لإخفاء هذا “الذهب الأصيل” الذي يشير لحضارة إسلامية عميقة وايمان عميق يجمع المؤمنين في رحابه . لذلك فاسرائيل وعناصرها اليهودية المتطرفة بنت قبة رمادية صدئة بجانب الاقصى في محاولة لإخفائها .، ولم تفلح لليوم بتغطية “الشمس بالغربال “ .
ما يجري للشعب الفلسطيني اليوم وما يجري للمسجد الاقصى بشكل خاص يغضب كثيرا ، يغضب حتى حد الانفجار . إنها كما يبدو للان بداية” الانتفاضة الثالثة “التي تذكر بالانتفاضتين السابقتين ، ومن سقطوا واغتيلوا. إسرائيل بسلاحها ووحشيتها لن تستطيع أن توقف الغضب إذا لم ترتدع وتعترف أن الأقصى والأماكن الاسلامية ، والقدس نفسها ملك للعرب والمسلمين المتمسكين بالتراث والحضارة المادية والمعنوية . ولا يمكن اسرائيل تزوير التاريخ وطمس الارث التراثي طمسه أو سرقته أو أزالته ، وقتل من يؤمن بهذه الحقائق والمسلمات .
والحقيقة أيضا ، أن ما جرى للقدس تحت الاحتلال وما يجري هو شيء مؤسف ومحبط وكأنها تزول شبرا شبرا وبيتا بيتا ، ومعلما تاريخيا ودينيا واحدا بعد الآخر . لقد بح صوت المسلمون وهم ينادون ويستنجدون لإنقاذ القدس . إسرائيل لا تسمع صوت المنادين ولا أصوات حراس الأقصى الذين يتعرضون للإهانة وحراس الأوقاف الإسلامية التي تسرق . فالهجمة الإسرائيلية غير المسبوقة لم تمر للآن ، كون عيون الشرفاء والمناضلين والمرابطين تسيّج القدس باصرارهم للدفاع عن القدس بكاملها . لقد سقط الآن من الفلسطينيين ما يكفي للفت العالم لهذه الجريمة . ولكن الحقيقة أيضا مرة أخرى أن العالم يتفرج . ويظل السؤال دوما أين هي الأمم المتحدة ؟ وأين هي الدول العظمى ؟ وأين هي قوانين حقوق الانسان ، وأين هي القوانين التي تحمي التراث والثقافة .
وتظل الحقيقة أيضا أن هناك مؤسسات في المجتمع المدني ، تعبر عن” الإنسان “ الذي يتابع ويعمل في الدفاع عن الحقائق بأشكال متعددة تعزز المعزز صمود الشعب الفلسطيني الصامد،والذي لن يستطيع أحد ايقاف غضبه وإصراره . فألف تحية لهذا الشعب البطل .