لم يعطل الفلسطينيين النبلاء طقس بارد غاضب أو نيران جلاد حاقد من تشييع 23 شهيدا قضوا وهم يحملون السكاكين في “هبة السكاكين” نسبة إلى السلاح الذي استعملوه في مقاومة العدو المحتل في المدة الاخيرة . . والشهداء والشهيدات يأتون من جميع أنحاء فلسطين المحتلة من محافظات رام الله وجنين وطولكرم . في الجو البارد ومن ثلاجات اسرائيل الحارقة خرجوا سعداء ليناموا في باطن الأرض الدافئة ، حضن الأم التي استشهدوا من أجلها . ولأن اسرائيل يخافهم بالحياة والموت ، فلم تتوقف قوات الاحتلال من أخذ الاحتياطات الامنية وممارسة العداء بإطلاق القنابل الصوتية والغازية تجاه الاحياء والاموات ، بالاضافة الى حملة الاعتقالات الواسعة بين الشعب الذي يرى جميع الشهداء أبناء لهو . ولعل زغاريد النساء التي سمعناها تدل أن الحزن في مثل هذه الحالات يتحول لفرح ممزوج بالدموع والألم .
فقدُ ابن أو أخ أو زوج أو قريب ،شاب يخلق مشاعر ألم انسانية شديدة عميقة تصيب الروح والقلب ، فالأم الثكلى والشابة الأرملة ، والطفل اليتيم يتذوقونها كل يوم في فلسطين بطعم يحمل تاريخا طويلا وحاضرا مرا يأبى أن يتغير . ولعل ما أنشده الشجعان من شعر مثل شعر عبد الرحيم محمود وهو يعبر عن روح شهداء 1936 ليؤكد ذلك :
سأحمل روحي على راحتي / وألقي بها في مهاوي الردى
فاما حياة تسر الصديق / وإما ممات يغيظ العدى
وبكت النساء على الشهداء الذين سقطوا وهن يقلن “ ::
يادم الشباب ع الندى يسري / لو إني حاظرة لقيت له حجري
يا دم الشباب ع الندى يسري / لو إني حاظرة لقيت له صدري
تبقى المشاعر الانسانية والالم مستمرة ، وقد تغيرت وتجددت أدوات النضال التي يستعملها المناضلون من أجل ،تحرير فلسطين مما يزيد قلق إسرائيل ، وبخاصة تلك التي تنغص حياتهم اليومية واقتصادهم وصورهم القبيحة في الغرب التي تزداد قبحا . ولعل ما كان مخفيا على أوروبا وأمريكا من وحشية اسرائيل المدنية والعسكرية ، ما أصبح سلاحا حادا ضد اسرائيل بعد أن ظهرت الحقائق . . فانتفاضة السكاكين هذه وهذا العدد من الشهداء لفت الى أن الانتفاضة مستمرة ، و أيضا أنها معززة بمؤسسات المجتمع الفلسطيني المدنية ، ومنها حركة المقاطعة التي أصبحت معروفة في العالم . ونتيجة لذلك فقد انخفضت الصادرات الإسرائيلية بشكل ملحوظ مؤخرا، والحقت اضرارا بالدخل القومي الاسرائيلي .
بالاضافة لذلك ، فإن الاعتراف بفلسطين كدولة ، يزداد كل يوم وآخرها اعتراف الفاتيكان الذي وقع بتاريح في 26 حزيران الماضي رغم معارضة إسرائيل وقد أصبح مطبقا متزامنا مع تشييع الشهداء ، ومن بنوده ال 32 ، حماية حقوق المسيحيين الذي يعتبره الفاتيكان نموذجا للعلاقات بين الدول العربية والاسلامية ، وأقليتها المسيحية .. ولعل الممارسات التي تقوم بها اسرائيل للتخلص من مسيحيي القدس بشكل خاص ، ما يؤكد على أهمية نطبيق الاتفاق التاريخي . كانت اسرائيل وما زالت تحاول أيضا تصديع لحمة الشعب الفلسطيني الواحد ، وها هي اليوم تبحث عن أدوات جديدة علّها تنجح في ايقاف التضحيات من أجل التحرير واقامة الدولة الفلسطينية على الارض المقدسة التي تزغرد نساؤها للشهداء وهن قابضات على الجمر . .. فألف تحية للشهداء في هذا الجو الحار!!