فرض فصل الشتاء عليّ طقوسا اتبعتها منذ سنين ، وهي القراءة المكثفة وشبه المتواصلة في فصل الشتاء . ويأتي ذلك بسبب تقليص الحركة والنشاطات الاجتماعية أو الخروج من البيت في نزهات الربيع والصيف بشكل عام ، ما يساهم في تكديس الكتب التي لم تقرأ ، وأكثرها من” الروايات “ التي اصبحت تتوالد بشكل كبير كما مواليد – الاطفال العرب – ليصبح المعدل من اعلا” نسبة المواليد “. ففي هذا الشتاء عليّ أن انهي حوالي ثمانية كتب تنتظرني للقراءة وتنتظر تقييمي الشخصي بعين قارئة ، وأكثرها من التي حازت على جوائز اقليمية أو عا لمية . فعادة ما أمر عليها مرور الكرام حتى أبدأ قراءتها بتمعن . وقد وجدت هذه الطريقة التي ابتدعتها لنفسي ما جعلني اواصل وأحافظ على عادة القراءة التي رأيتها ضرورية منذ الصغر ، عندما فزت بجائزة للقراءة في الصف الثالث الابتدائي في مدرسة المأمونية في القدس ، وأيضا بكتابة المقالة ونشرها في” الجريدة” مع مقالات الكبار وأنا ما زلت طالبة في مدرسة زين الشرف الثانوية في عمان ، بالاضافة لنيل جوائز عن بعض كتبي. وقد ظلت تلك التجارب المبكرة وكأنها حافز يذكرني ليس فقط بالنشاط المدرسي أو الادبي ، بل بالبيئة والناس . استمتع بها لأنها من برمجتي وليست مفروضة عليّ . وها أنا انهي قراءة الكتاب الثالث في “موسم الهجرة الى القراءة “ الذي افتتحته منذ شهر .
كما نعرف فنحن العرب متهمون ، لا بل هي الحقيقة “ أننا لا نقرأ “ مقارنة بالعالم” الغربي “ القارئ ، وكما تؤكد دراسات وتقارير الأمم المتحدة . فالقراءة تعتبر عادة حميدة لا بد أن تبدأ بشكل سليم ، وكذلك تنمو بشكل سليم يساعد على استعمالها كما ينبغي الوصول للعلم والمعرفة ، كما التسلية والتواصل في عوالم حقيقية أو خيالية . ولعل اهمية التشجيع على انتاج نوعية للأ طفال ، وتطوير تأليفها بما يتلاءم مع المتغيرات والتطورات في العالم سريع التحول من الأ همية بمكان . ولا شك أن الرجوع للماضي بكل ما فيه من العوامل الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والسياسية ، هي خير مصادر لمعرفة الوضع التعليمي بما فيه القراءة . ظل كتاب خليل السكاكيني ,( الجديد في القراءة العربية الجزء الاول والثاني , والمنهاج في القراءة العربية حتى الصف الرابع الذي وضعه للمدارس الحكومية تحت الانتداب البريطاني في فلسطين” وشرق الاردن “ , في ذاكرة من تبقى ممن تعلموا الاحرف العربية الجميلة وما تحمل من معان وحياة .
كنت أبحث وفيّ لوعة عن ذلك الكتاب الاول الذي علمني القراة ، وأخيرا وجدته وقد ذكرته في أكثر من مقام في كتاباتي السابقة وهو لخليل السكاكيني . : الدرس الاول “ راس ، روس “ الدرس الثاني “ دار دور .” فيه تعلمنا المفرد والجمع ، كما المذكر والمؤنث ولفظهما من هذين الحرفين فقط .. حتى وصلنا الى الدرس السابع وقد اخرجنا السكاكيني من داخل “سور “الى خارج البيت لنعرف على “سوس “ بينما صورة بياع يصب السوس في” كاس “ وهكذا ، أخذنا السكاكيني بمنهجه الذي علّم الاجيال العربية بأسلوب علمي مرتبط بالواقع والحياة مع دمجه بالروح الوطنية . وقد تحيّز منذ البداية للغة العربية التي لم يقبل أن تنافسها اللغة الاجنبية قبل الصف الرابع الابتدائي لحماية الموسيقى والنطق . وقد جعل اللغة العربية مفضلة ومرغوبة من الطلاب بفضل المدرسين والمربين والمثقفثن والادباء . فقد قاموا بنقش جمال اللغة العربية وموسيقاها في أذهان ولسان الاولاد والبنات اللذين لا يزالون يتذكرون الدورس الأولى وحتى( الدرس الخامس والسبعين )الذي يختمه بالقول : “ سري فتى طيب “و ،” أمام بيتي منظر جميل “ ، وأبي اهداني كتاب حساب” ، ولسان صادق خير كم لسان كاذب “ . وهكذا علمنا القراءة والكتابة وهو يأخذنا الى الجزء الثاني الدرس الاول : “ – إلى أين أنت ذاهب يا بني ؟ إلى المدرسة / ماذا تتعلم فيها ؟ / القراءة والكتابة ودروس غيرها .- ماذا تعملون في أوقات الفراغ؟ /نخرج الى الملعب فنلعب .
تغيرت ادوات المعرفة اليوم واصبحت التكنولوجيا الحديثة الأستاذ الذي يدرس الكثيرون باسلوب الارقام التي تنقصها مشاعر السكاكيني التي علمنا عن الحياة كما كانت وكما تبين عناوين الدروس الاولى : “ الى المدرسة ،الولد النظيف ،البنت النشيطة ،ضع كل شئ في محله ، السيارة ،الطبيب والطفل ، النجار والقرد ،احتفظوا بالارض ،المهاجر،القرية ، المدينة وغيرها ،. ولكن الأهم درس شجرة الزيتون التي تقول : “ في الدرس العاشر : “ رأى شابا شيخا يغرس زيتونا فقال له ، /-أتؤمل أن تأكل من ثمر هذا الزيتون وأنت شيخ ؟ / فأجاب الشيخ / غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون . اليوم تقطع إسرائيل المحتلة أشجار الزيتون وعمر إحداها 700 سنة ، إلا أن الدروس الاولى التي. تعلمها الاجداد لا زالت تسري في عروق جيل الاحفاد ، فشجرة الزيتون هي رأس روس المشاعر الوطنية .