الألم يولد الألم ويذكر بالماضي والحاضر للاجئين الفلسطينيين عندما ترى اللاجئين العرب يعانون من آلام الهجرة والرحيل من بيوتهم . من خلال هذه الآلة التي أصبحت نعمة ونقمة لأنك لا تستطيع تلافي التعاطف مع الانسان المعذب المرغم على ترك بيت العمر الذي كان جنته مهما كان كبيرا أم صغيرا . . في استذكار الرحيل عن الدار مع بعض الأصدقاء في زيارة عادية في يوم بارد ، شعرت بالبرد بدل الدفء في الجلسة التي كان هدفها التسلية “ وقتل الوقت “ . الا أن الاخبار التي تقول بأن ، 177 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة صادقت بتاريخ 18 كانون الاول 2015 على مشروع قرار يؤيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعارضته 7 دول من بينها امريكا ومكرونيزيا واسرائيل ، ، ما فتح النقاش واعادة صور واسطوانة مشروخة لمصيبة كبيرة حدثت للفلسطينيين في عام سميّ عام النكبة 1948 حيث استحقوا لقب “ اللاجئين “ عن جدارة . والطريف أن القرار” الطازج “ الذي يؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وضرورة انهاء الاحتلال الذي بدأ 1967 ، قد أصبح نغمة تردد في دار الأمم المتحدة العالية اذا ما تذكروا الاحتلال الاسرائيلي الذي يعيث في فلسطين تقطيعا . فاسرائيل لا زالت تشتت العائلة الواحدة تقتل الأب وتسجن الأخ وتعذب الطفل وتلاحق الشباب ، وتهدم البيت أو بالأحرى العائلة الواحدة بالإضافة لعدم الاستسلام “ للعبة الأمم “ التي لا زالت سارية المفعول .
الدار والبيت والجيران والشارع والسوق وشراء الخبز ورائحته وصوت الباعة يتنافسون على البيع والشراء وأكثر ،هي ما يجعل للمكان و البيت والنشاط والحياة واللعب في الشارع بكرات الشرايط يقذفونها بأرجهم خصوصية . صور رويناها لبعض من ذاكرة تختزن الالم وتشحذه ليزيد التعاطف مع اللاجئين أي الانسان المعذب اينما كان . بسرد قصص الرحيل واللجوء الصعب واسترجاع طعم الالم الذي ظل مرا يعمل الانسان على تخفيف هذا الوجع .
حاولنا الاجابة عن سؤال ، هل من الضروري لوسائل الاعلام أن تظهر الكثير من هذه الصور لعذاب الانسان ؟ وأتى الجواب من” الرأي والرأي الآخر “ نعم فالانسان لا يتذكر الا ما يشبهه في الواقع وليس في الخيال . وفي هذا السياق فالقضية الفلسطينية كثيرا ما همشت في خضم الاحداث المتصارعة في عالم أصبح مجنونا . ولعل التذكير بها في كتاباتنا ما يخفف من اهمال ذاكرة الألم التي لا تزول ، وللعواطف والأحلام التي لم تتحقق للكثيرين .
إن استشهاد عدد من الفلسطينيين كل يوم في الواجهات مع العدو في الضفة الغربية وقطاع غزة ما يثير الغضب ويولده بدل اهماله ومحاولة النسيان . فالمخيمات التي لا زالت أهم شاهد على الحنين لذلك البيت الذي سرقه المستعمر المحتل لاسكان الغرباء ، أو ذلك البيت في المدن والقرى التي أزيلت من الوجود وكأنها لم تكن يوما بنيت وشيدت بأيدي أهلها الذين رحلوا أو هجروا .لا بد من ابرازها في وسائل الاعلام ليظل الحلم حيا بالعودة للمكان كما ابراز الصمود وصلابة النضال. .
حملات الاحتلال المتواصلة وما ينتج عنها من الام جراء الاعتداء على أصحاب الدار والمعمار ، وعلى الشباب وحرمانهم من الأم والاّب والأخوة والجيران وحشرهم في سجون باردة قاسية تجعل الآلام تكبر ليس عند هؤلاء الابطال الذين يردون على المحتل بالغضب وبالحجر وبالسكين . يردون بايمان يخفف من الوجع وهم يدافعون ليس فقط عن بيتهم الشخصي ، بل أيضا عن الوطن والهوية وعن المسجد الاقصى وبوابات البلدة القديمة وتاريخها الذي يحتضن الكنائس والجوامع وتتعانق الاجراس مع المآذن . ولعل اشجار الزيتون التي يعاودون زراعتها بدل التي قلعها المحتل هو التجدي الذي يخفف الالم ويزرع الأمل . فالألم لا يزول الا بالعمل واستبداله “ بالسعادة “. نعم في جلسة الأصدقاء يبدو أننا استبدلنا الشعور بجلد الذات وحاولنا تخفيف الامنا التي تتراكم ونحن نشاهد ما يجري للاجئين القدامى واللاجئين العرب الجدد ولشباب فلسطين الذي لا يسمح لأية أحداث أو اجتماعات دولية أن تهمش قضيتهم المؤلمة .. وتقتل الأمل الغائب الحاضر الذي يعيشونه …