الثقافة بمفهومها الواسع تعني : “كل ما انتجه البشر من أفكار وتصورات وعادات ونظم اجتماعية وسياسية ومداولات اقتصادية وفعاليات أدبية وفنية وثقافية عبر التاريخ” . وكما نرى فهذا المصطلح يكاد يتماهى مع مصطلح الحضارة . لعل هذا التعميم  للثقافة ما جعل الكثيرون للعمل على أن يكونوا جزءا  من هذه العملية بطريقة أو أخرى . ويلاحظ في المدة الأخيرة نشاط متزايد في” انتاج  الثقافة “ بما فيها  الكتب الادبية تحت عناوبن مختلفة وأساليب مختلفة أيضا . وهي ظاهرة” محمودة”- مع التحفظ  على الوصف -.وقد تمكن أحد الأدباء الأردنيين – سامر أحمد خير-  من انتاج كتاب جيد  عن العلاقات الثقافية بين الأردن والصين ، وهو كتاب وموضوع لافت استمتعت بقراءته  في حينه  عند صدوره عن أمانة عمان .


فازت عمان قبل  شهور من هذا العام بجائزة اليونسكو وهي منظمة التربية والعلوم-  وغيرها من فروع الحضارة – وكانت من ضمن الاحدى عشر المدن التعليمية  من دول العالم ، ولعل الأسباب لفوز الصين ، هي غزارة الانتاج الصناعي والتجاري بالإضافة للأدبي من الكتب والموسيقى  والمسرح والرقص الشعبي وغيرها التي غزت العالم لرخص ثمنها وايصالها  الى عامة الناس  من الطبقة الشعبية أو الفقيرة .  وبالطبع لم يأت غزو الصين في منتجاتها العالم بما فيها الاردن وأمريكا .  فقد  انتجت المصانع للمؤسسات التعليمية والثقافية المواد  المتعلقة بها من من القلم والورق والحبر والالوان والطباعة والكتب والرسومات  الملابس وما يتبعها لرخص الأيدي العاملة .  وقد هددت هذه القفزة التجارية الاقتصادية العالمية  السوق الأمريكي  الذي بات يخاف من الصين وقوتها المتنامية  ثقافيا واقتصاديا ، والتي تسير بها باضطراد وفق استراتيجية مرسومة بانتقان وتخطيط ذكيّ .  عندما كنت أمر في “  الشارع الخامس “ الأشهر والأغلى في العالم  في نيويورك كنت أرى حقائب النساء الجلدية التي تحمل علامات الماركات المشهورة الفرنسية تباع على الرصيف أمام المولات بالإضافة الى الساعات السويسرية الشهيرة بماركاتها غالية الثمن  وكتب الاطفال ولوحات الفنانين المشهورين العالميين المقلدة .  كانت” البلدية “ تلاحقهم بشكل دائم ، ولا أطنها استطاعت لليوم إيقاف هذا الاندفاع للمنتوجات الصينية ، وإن كانت ليست ذات جودة عالية . إلا أنها استطاعت أن ترضي غرورأو احتياجات    الكثيرين الذين يحبون الماركات ، ولو كانت مقلدة.


أعود لواقعنا الثقافي في عمان وغزارة الانتاج الأدبي الملاحظ ، وأقارن ذلك بانتاج الصين الغزير ، فقد أصبح الكثيرون من الكتاب ومنتجي أدوات المعرفة والثقافة والتعليم يتوجهون للصين لانتاجها لهم . هناك الكثيرون أصبحوا يطبعون كتبهم القيمة أو غير القيمة بأسعار زهيدة تناسب زبائنها  وهذا حق لهم ولا أرى ضيرا في ذلك اذا ما كان الهدف نشر هذا الانتاج بشكل واسع ورخيص الثمن . إلا أن هناك ظاهرة جديدة أخذت تتنامى في” سوق الكتب في عمان “ . فقد  اصبح  البعض  مع الاسف ينظر للكتاب “كسلعة تجارية “ مفضلا ذلك على “ النوعية “ . وبهذا الخصوص أتفق مع الصديق سامر خير الراجع مؤخرا من الصين على أن “ ثمة من يمارسون الفهلوة في مختلف مجالات العملية الثقافية … “  هناك مؤسسات  ثقافية جادة في الأردن  وكتاب جادون  مميزون  بين هذه الحشود المتدفقة لانتاج الكتب . إننا بلا شك بحاجة لدراسات جادة تتعلق بالثقافة بشكل عام وبانتاج الكتب ، بالاضافة للنشر التي قد تكون سببا في انتاج الغث والسمين . لقد آن الاوان أن تنشأ مؤسسة وطنية قوية للنشر إحداها في الجامعات كما في الجامعات القوية في العالم لنشر ما يمكن أن يصبح عالميا وقابلا للترجمة بلغات مختلفة ولكي نظل نثبت وجودنا على الساحة العالمية  وبشكل دائم وليس متقطعا .. ولا شك أن هذا بحاجة لتضافر جميع المؤسسات من أجل ثقافة مستدامة.

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment