في الأردن ثروة حرجية وريفية  غنية مثل مرتفعات عجلون وغيرها . وكما هو معروف أيضا أن هذه الثروة -بالمعنى الكامل لها – توازي الثروات الوطنية مثل “  الفوسفات  والاسمنت “ – إذا ما اعترفنا بذلك -. إلا أننا نسمع ونقرأ عن  مدى التنكيل بهذه الثروة التي لا يعتبرها أكثر الناس ثروة وطنية يمكن أن تساهم في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية  والجمالية للبلد ،  لأن الناس  تقطع رؤوس الأشجار ، تستعملها للوقود لتنوب عن النفط ومشتقاته . من يعرف أو يزور هذه المناطق ليقول ليس فقط ما أجملها بل ، ما أثمنها .

“ الخلاء “  أو” البرية “  الخضراء لها خصوصية ، إذ حافظت على الطبيعة والتربة ونوع الاشجار والنباتات والحياة  الحيوانية منذ قرون  . كثير من الحياة الاجتماعية ونسيجها الاجتماعي تشكلت بتأثير البيئة الزراعية الخيّرة وبخاصة المتعلقة بالشجر والنبات والزهر والحيوان ، كما والحجر،ولم تأت “ خريفيات “ وحكايا الجدات عن نباتات البرية في الريف  من  فراغ بل أتت من الحياة الواقعية العملية ، ومن الامثلة والعادات والتقاليد المتوارثة في الاردن وفلسطين ، نرى كم هي هذه الجياة الحرة الخضراء متجذرة بالتراث وبخاصة لبعض الاشجار التي لها تاريخ بعيد من زمن الرومان ومن مروا بهذه الأرض من الغرباء . فشجرة الزيتون مثلا هي الأبرز في هذا المجال والتي  يرددها كل فرد  بعد أن سجلها التراث الثقافي الذي يقول : “ زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون “ ويعتبر شجر الزيتون  في وقتنا الحالي مصدرا اقتصاديا هاما للاستعمال أو التصدير. ورأوا في هذه الشجرة قيمة دينية عند المسلمين والمسيحيين . كما تأتي شجرة النخيل في مرتبة مماثلة ، وقد قيل فيها الامثال الشعبية ومنها : “  طوله طول النخلة “ .

 لم تقتصر استفادة أهل القرى والريف من الشجر كمصدر للطعام ، بل امتد للنباتات  البرية التي اصبحت من أهم المصادر الطبيعية للغذاء و الدواء الشافي للناس . ومن يتوقف أمام بعض المخابز أو المحلات التجارية ، يرى نساء عاملات نشيطات في السوق الموازي ، أو المهمش يجلسن في بسطات يبعن انتاج الخلاء والبرية منه : الهندبة والخبيزة والنعنع واللسينة والحويرنة والخرفيش ، وغيرها . بالاضافة فإن في بسطات النساء النشيطات اللواتي اصبحن يعرفن فن” التجارة “  وارتفاع الاسعار بشكل صاروخي بحيث  تساوي ضمة الخبيزة التي تصغر كل يوم أكثر من دينار مثلا .وفي برية الاردن كما فلسطين والمنطقة ثروة طبيعية للدواء  فقد اصبح الطب البديل وعلاجه بالنباتات  من الوسائل المعترف بها، وكما كانت الجدات يعتقدن . فلا يخلو بيت اليوم من البابونج المجفف او الميرمية والزعتر والينسون والزنجبيل  بجانب” الأدوية” في صيدلية المنزل . ويصف الناس لبعضهم البعض  بزر الكتان والحبة السوداء والقزحة لتعزيز المناعة وبخاصة من يصاب “  بالسرطان “ وبعد تناول جرعات من الكيماوي الثقيل على الجسم والاعصاب . ونرى اليوم هذه النباتات التي زاولت الجدات استعمالها كدواء ، وقد اصبحت تصنع من قبل شركات الادوية في الغرب والشرق كدواء بديل ، أو من قبل  شركات انتاج الاغذية .

 . الخلاء ، البرية ، الأراضي الريفية بما  عليها من ثروات حرجية مع الاسف غير مستغلة بالطريقة السليمة ,ولعل الاعتداء على الاشجار واغتيالها برهان على ذلك . بالاضافة الى الاعتداء على جذور تلك الازهار التي من المفروض أن تتكاثر ولا تنقص عن ال 500 نوع وأكثر . الطريق من عمان  الى المدن والقرى حولها في الخمسينيات كانت مرجا من الازهار الملونة والمتعددة ،  والقرى ببيوتها المتواضعة كانت موقعا راقيا وجميلا للمتنزهين ، وها هي اليوم  وقد اصبح فيها مكرهات بيئية  بسبب العمران العشوائي على حساب ،  التنمية الجمالية والعمرانية والبيئية . ولعل المشاريع التي نسمع عنها لاعادة ذلك الجمال تبعث على الامل الجميل .  في البلدان الغربية امتدت التنمية الى الريف ، إلا أن الطرق الضيقة الهادئة التي تحمل هوية الارض وبذورها ظلت عامرة وبقيت فيها بعض الدور حولت لمطاعم شخصية تعد الأطباق التراثية لمن يحن لسلوك الطرق القديمة . ولعل المتخصصون من المخططين والمهندسين يأخذون بعين الاعتبار بعض الممارسات العملية التي تساهم في مواصلة محبة الريف و احترام شجره  ليظل جميلا ودافئا دون الاعتداء عليه …

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment