يجيء كتاب الدكتورة عايدة النجار “القدس والبنت الشلبية”، الصادر حديثا عن دار السلوى للدراسات والنشر في عمان حصيلة جهود بحثية عميقة، وواضحة في ثناياه، ضمن أربعة عشر فصلا تمددت على 375 صفحة من القطع الكبير.

تفتتح النجار الكتاب بمقدمة وجدانية مؤثرة، مبيّنة أنّ ولادتها كانت في القدس وعاشت هناك طفولتها، “حيث لعبت تحت التين والزيتون، زهر الرمان، والصبار الذي يسيج حواكير ريفه، وضحكت بصوت عال وأنا “أطير” في القدس العتيقة على المراجيح القريبة من المسجد الأقصى بفستان العيد الزهري”.

وتشير أنّ المدينة تحت الانتداب البريطاني كانت عاصمة فلسطين، وهي الفترة التي تناولها الكتاب، مبيّنة أنّها اختارتها لأنها عاشت في القدس بعضا من ذلك الزمن “قبل أن نصبح لاجئين، ونرحل عن الدار والوطن، ونعيش في أمكنة أخرى حتى اليوم”.

وتتابع أنّها تجوّلت في “المكان” القدس المدينة التي تتسع لتشمل أكناف القدس وأبعد في جغرافيتها، مؤكّدة أنّها اصطحبت في جولتها في المكان وبشكل خاص “المرأة الفلسطينية مع ناس المدينة”، وقد أسمت نساء القدس وفلسطين “بالبنت الشلبية” أي الجميلة، وهي إحدى مفردات المقادسة الذين يتميزون باستعمال الكلمة، ومعناها أكثر من غيرهم في المدن الأخرى.

كتاب عايدة النجار يتناول المدينة “وحياة ناسها” في فترة زمنية محدّدة لها خصوصيتها في تاريخ القدس الاجتماعي، أفرزته المرحلة السياسية للانتداب البريطاني على فلسطين (1920-1948) وفيه امتداد لبعض مظاهر الحياة الاجتماعية للناس في العهد العثماني الطويل الذي سبقه وانتهى بانتهاء الحرب العالمية الأولى.

تقول المؤلفة إنّ إصدار كتابها “يتزامن مع استمرار الممارسات الإسرائيلية بالاعتداء على الممتلكات العربية، وطرد أهل القدس وتفريغها من أهلها المسلمين والمسيحيين وتغيير معالم المدينة، وإقامة المشاريع العمرانية اليهودية على أنقاض الآثار الإسلامية العربية”.

وتضيف أنّ فلسطين حظيت بكم هائل من الدراسات والأبحاث المختلفة التي صارت مراجع مهمة وقيّمة، لكنّ الكتابات عن الحياة الاجتماعية اليومية وتفاعلاتها وتداخلاتها مع العادات والتقاليد وخاصة “حياة الناس العاديين” ودورهم في “صنع المدينة”، لم تحظ بالاهتمام الكافي.

تورد النجار في نهاية المقدمة أنها قامت بتوثيق العمل، معتمدة على المراجع العامة كالكتب المنشورة والدراسات والوثائق والأوراق الشخصية “الخاصة” غير المنشورة، إضافة إلى الذاكرة الشفهية بإجراء عدد كبير من المقابلات لأهل القدس وبناتها، لاسترجاع قصص وصور مختزنة في الذاكرة، ومنها ذاكرتي الطفولية.

 يقول الكاتب رشاد أبو شاور عن الكتاب: “(البنت الشلبية) نتجول عبر فصول الكتاب وصفحاته في القدس المعاصرة، في أحيائها، بين ناسها، في حمامتها، نتعرف إلى تقاليد أهلها، نتوقف عند الصراعات السياسية بين عائلاتها، تركز على مشاهد، ومواقع، وملامح ناس، وأحداث، متنقلة بين الخاص والعام، وهو ما يشد القارئ وينشئ معه ألفة”.

ويضيف “كلما تقدمت في قراءة فصول كتاب (البنت الشلبية) تعرفت بالقدس، وأحببتها أكثر، لأنّ القدس ليست مجرد مكان إنها زمان أيضا، كما قال الكاتب الكبير جبرا إبراهيم جبرا، والزمان هذا لا فعل له من دون الناس الذين يمر عليهم، ويؤثر فيهم، ويتفاعلون معه فيتركون ما أغنوا به المكان ويمضون مخلين ومفسحين لآتين غيرهم، بعد أن عاشوا حياتهم الخاصة والمختلفة عمن سبقهم”. 
 كما يُثني د.حلمي ساري على جهود المؤلفة “عايدة النجار أحسنت من خلال عملها وصف القدس ومكانتها عندها كمقدسية وعند المقادسة أيضاً، وذلك من خلال تناولها لتفاصيل الحياة اليومية في هذا المكان الذي ما تزال ذاكرتها ندية بذكرياته رغم بعدها عنها منذ زمن ليس بالقصير”.

ويتابع في السياق ذاته “فما تكاد تستذكر حدثا أو واقعة أو مناسبة وقعت في ذلك المكان، سواء معها أم مع غيرها، حتى تقفز إلى ذاكرتها تفاصيل ذاك الحدث فتسترجعه كأنه حصل البارحة. كما أنها أنصفت الإنسان في ذلك المكان من خلال منجزاته التي ورثها عن الأجداد في مجالات العمران والعلم والأدب والثقافة والتعليم والفن، فضلا عن العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية.

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment