تسعى د. عايدة النجار من خلال كتابها “صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن 1900 – 1948 الى تقديم دراسة تحليلية مفصلة في صحافة فلسطين والحركة الوطنية في النصف الاول من القرن العشرين خصوصا منذ ان زرعت بريطانيا بذور المعضلة بصكها وعد بلفور للصهيونية في العام 1917 ونفذته بإقامة “اسرائيل” في العام 1948.
وترى د. النجار ان كتابها قد تناول العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني التي اثرت على نشأة الصحافة وتطورها اذ اهملتها الدراسات القليلة في هذا المجال لتترك فراغا يطمح هذا الكتاب لسده.
“الغد” التقت د. عايدة النجار في هذا الحوار الذي تطرقت فيه الى كتابها الجديد وما فيه من ابراز لدور الصحافيين والكتاب بوصفهم قادة للرأي العام حيث كانت جرائدهم وسيلة خطيرة تحرك الجماهير وتقلق السلطة بالاضافة الى انها كانت تصور معاناة الناس من بطش المستعمر وقوانينه وسجونه وتنكيلاته بقوافل المناضلين.
كباحثة ما هو الهدف من وراء كتابك صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن؟
– على اي باحث يجب قبل البدء بأي مشروع ان يراجع كل ما كتب في الموضوع الذي سيتناوله سواء كان كتبا او مقالات علمية موضوعية ويتعرف على الذين عايشوا هذا الموضوع والذين يمكن الاستعانة بهم كشاهدين على ما جاء في المواد المنشورة كما ان على الكاتب ان يبحث عن مصادر جديدة غير منشورة مثل المذكرات والوثائق السرية مثل الوثائق البريطانية التي يحتفظ بها لمدة اربعين سنة ثم تصبح عامة، هناك اهتمام خاص في هذه الايام بالصحف لمرحلة تاريخية معينة حيث اصبحت الصحافة وثائق ومراجع ضرورية للاستعانة بها لانها تعكس حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لانها توثق الاحداث يوما بيوم وقد اهملت هذه في الدراسات العربية والان انتبه اليها الباحثون والمؤرخون، الهدف من الدراسة هو اظهار دور الصحافة الفلسطينية في مرحلة من اخطر المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية منذ مطلع القرن وقد ناضل فيها الشعب الفلسطيني من اجل الحفاظ على الارض وعدم انتقالها الى الصهاينة من خلال المستوطنات التي بدأ الصهاينة به منذ بداية القرن ووضعوا عينهم على فلسطين مستندين الى الخرافات والاكاذيب ليقيموا وطنا قوميا باركته ونفذته بريطانيا منذ ان صكت وعد بلفور وظلت الصهيونية ، وقول دمائير وهي تردد مقولة كاذبة نشروها في العالم لكسب عواطفه بان فلسطين ارض بلا شعب لشعب بلا ارض ، وهذا تزوير للتاريخ ومثل هذه الدراسات توضح الحقائق وتؤكد بان هناك شعبا له ارض وثقافة وعلم وصحافة وقد لعبت الصحافة دورا مميزا وملتزما في الثورة الفلسطينية الكبرى 1936 – 1939 اذ كانت تدافع عن الفلاح الفلسطيني والعمال وكانت تفضح تحيز بريطانيا للصهيونية وصحافتها ، كما كانت احسن منبر للجميع وطبقات الشعب واجمل مثل على ذلك عندما كان شباب القرى المتعلم يقرأ الجريدة لغير القادرين على القراءة في المقاهي واعتبرت بريطانيا الصحافة سلاحا ضدها.
بماذا اسهمت صحافة فلسطين آنذاك على صعيد النضال والتعريف بالقضية الفلسطينية؟
– في الواقع ان الصحف الفلسطينية كانت اول من نبه العرب الى خطورة واهداف الصهيونية العالمية بعد مؤتمر بازل 1897 الذي اتخذ قرارات بإقامة وطن قومي في فلسطين وكان هيرتسل انذاك يدعو الى القومية اليهودية منذ 1908 ابان الحكم العثماني صدر الدستور واصبح هناك حرية نسبية في حرية الرأي ولذلك قام الفلسطينيون بإصدار عدد من الصحف تصدت للحركة الصهيونية ومن اهمها جريدة الكرمل لصاحبها كريم نصار وجريدة الاصمعي والنفائس العصرية لـ “خليل بيدس” وجريدة فلسطين 1911 التي نافست جريدة الكرمل في فضح تسريب الاراضي العربية لليهود التي لعبت دورا كبيرا على المستوى الوطني والعربي حيث كانت الصحف العربية تنقل عنها هذه الاخبار وتتصدى للصحف التي تدافع عن الصهيونية واستمر دور الصحافة تحت الانتداب البريطاني 1920 حيث ازدهرت في العشرينيات بشكل ملحوظ وبلغ عدد الصحف في العشرينات 48 جريدة.
برأيك لماذا ازدهرت الصحف في فترة الانتداب؟
– في العشرينيات ازدهرت من حيث العدد في مرحلة كانت الشخصية فلسطينية تتبلور سياسيا ، وساعد في تطور الصحافة ان الكتل السياسية كانت تبحث عن منابر توصل بها رسائلها للناس هذه الرسائل انصبت على الارض والهجرة اليهودية ووعد بلفور وكانت الصحف تراقب ما يقوم به هربرت صموميل اول مندوب سامي عين في فلسطين ،وساعد على ازدهار الصحافة ان حكومة الانتداب اهتمت بتطوير شبكة الاتصال والمواصلات في فلسطين واهتمت ايضا بإرسال البريد وتوزيعه عن طريق سكة الحديد كما وفي 1920 ادخل التلغراف في فلسطين واستعمل كأداة عصرية لنقل الاخبار ومددت خطوط الاتصال المباشر بين القدس والقاهرة وبيروت كما ادخل التلفون الذي استعمله الصحافيون لنقل الاخبار وتوزيعها، لم يكن في العشرينيات احزاب فلسطينية بل كان هناك بعض الكتل العائلة وكانت الصحافة محسوبة عليها وهي كتلة “المجلسيين – الحسيني وكتلة النشاشيبي “المعارضة” وكان بين هذه الصحف صحف دينية وادبية وكشفية اما ابرز تطور فهو صدور صحف سياسية يومية اولها صحيفة لسان العرب التي ساندها الانتداب لتنطق باسمه كما صحيفة الصراط المستقيم للشيخ عبدالله القلقيلي لتكون انتعاش الصحافة الادبية وصحف المدارس والكليات واهمها مجلة الكلية العربية في العام 1927 وكان يترأسها احمد سامح الخالدي كما لعبت النفائس العصرية دورا مهما.
مقارنة بالصحافة اليهودية ما هو حال الصحافة الفلسطينية في ذلك الوقت؟
– الصحافة اليهودية في تلك الفترة كانت بالطبع تحاول تبرير احتلالها لفلسطين وسرقة الاراضي وكانت تعتمد على جملة من الصحف كما كانت تعتمد على الصحافة الصهيونية في جميع انحاء العالم وكانت في اول مؤتمر صهيوني قد وضعت في استراتيجيتها اهمية الصحافة والدعاية للوصول لليهود في جميع انحاء العالم وكانت في البداية متواضعة الا انها مع الهجرات اليهودية المتواصلة ووجود الصحفيين والمهنيين المتمكنين خصوصا من اوروبا والمانيا تمكنت من ايجاد صحف لعبت ادوارا قوية وكان من اهم الصحف جريدة اهارتس التي تأسست في القدس في العام 1918 وتصدر كطبعة عبرية عن اركان الجيش البريطانية واستمرت الصهيونية في الاهتمام بالرعاية الصهيونية وعززت ذلك بإصدار عدد كبير من الصحف قبل قيام دولة اسرائيل وبين العام 1933 و1948 كانت جريدة يديعوت احرنوت توزع اكبر عدد من الدوريات العبرية بلغ 242 الف نسخة من مقابل 10 آلاف توزعها الصحف الفلسطينية الا ان الصحافة الفلسطينية كان دورها مميزا في اضراب 1936 وكانت تكتب عنه يوما بيوم وفي مدة 176 يوما اطول اضراب في التاريخ وفي اليوم المائة وصفته ثامن عجائب الدنيا، كما لعب الكاريكاتير دورا في فضح السياسة البريطانية والكتابة عن المعتقلين السياسيين الذين سمتهم بالاحرار وكانوا يتلهفون لقراءة الجرائد التي ترسل لهم خفية مع الطعام كما كانت الصحف العربية مثل جريدة الشورى في القاهرة لصاحبها محمد علي الطاهر وهو من نابلس كان ينشر مقالات للمعتقلين تحت اسماء مستعارة كما نشر عن المعاملات السيئة والتعذيب في السجون الاسرائيلية كما حدث مع عبدالحميد شومان احد الوطنيين الذين كان معتقلا بين المعتقلين.
زياد العناني