ناقدان يعاينان كتابها الجديد ‘عزوز يغني للحب’:
عمان ـ ‘القدس العربي’ ـ
من سميرة عوض:
احتفى منتدى عبدالحميد شومان الثقافي بإشهار كتاب الدكتورة عايدة النجار الجديد ‘عزوز يغني للحب: قصص فلسطينية من ألف قصة وقصة’، بندوة ترأسها الدكتور صلاح جرار وشارك فيها الناقد الدكتور محمد عبيدالله، والشاعر يوسف عبدالعزيز، وقدمت المؤلفة كلمة بالمناسبة، كما وقعت نسخا من مجموعتها لجمهور شومان الحاشد.ورأى المشاركون في الحفل أن النجار ‘تستعيد فلسطين استعادةً رمزيّة في هذه القصص الغنية بمكونات السرد، وتحاول أن تصور حياة الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال، مع حرصها على توثيق مفردات الهوية ومكوناتها’.
عبيدالله: قصص مضيئة بالعبق المقدسي خلص الناقد الدكتور محمد عبيدالله أن قصص (عزوز يغني للحب)، ‘كتبت بلغة دافئة تعرف طريقها إلى وجدان القارئ، ومع أنها تجربة أولى لعايدة النجار في المجال الإبداعي فقد بدت فيها الخبرة الكتابية واضحة وكافية لما تريد التعبير عنه، واعتمدت على كثير من الصور الواقعية والإخبارية ولكنها صاغتها صياغة جديدة معتمدة على ما يتيحه التخييل القصصي’.
وزاد عبيد الله الذي قدم ورقة نقدية حول الكتاب، حملت عنوان ‘عزوز يغني للحب لعايدة النجار.. قصص فلسطينية مشغولة بتوثيق الهوية’، أن النجار ‘تسعى في هذه النصوص إلى تمثيل الحالة الفلسطينية بأطيافها، ومفرداتها، ومكوناتها المتنوعة، وهي محاولة لتصوير دورة حياة الإنسان الفلسطيني، هذه الدورة المحكومة بتهديد الاحتلال وما يسببه من اختلالات وضغوط وأوجه شتى من التعذيب والتنكيل’.
وينوه عبيد الله ‘تحضّر القدس وغزة في هذه القصص، القدس من خلال مناخاتها وأجوائها، حيث رسمت النجار قصصا مضيئة محملة بالعبق المقدسي الذي يستقيم مع مكانتها الدينية والثقافية والتاريخية، وثقلها الرمزي في سياق القضية الفلسطينية.
أما غزة، فهي تلك المدينة التي تعرض أهلها إلى أبشع المجازر، من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، والتي تابعها العالم عبر الفضائيات’.
أما بقية القصص فقد تناولت بيئات متنوعة، تكاد ترسم صورة موجزة مكثفة لفلسطين، بما فيها من تنوع سكاني واجتماعي وثقافي’.
ويؤكد عبيدالله أن النجار عملت على توثيق ‘مفردات الهوية ومكوناتها’، فحرصت على تسجيلها وتوثيقها. فما من قصة إلا وتتضمن تفصيلا ثقافيا صريحا أو ضمنيا، والوعي بالهوية، ولذل فإن قيمة توثيق مكوناتها يؤشر إلى المقاومة الثقافية، وأهمية انتقال عناصر الهوية المهددة من جيل إلى جيل، كما التفتت إلى ‘دلالة الأشياء الصغيرة’، مما ينتمي اهتمامها بتفاصيل حياة الإنسان الفلسطيني، إذ تحافظ الشخصيات على تفاصيلها وأشيائها، مشيرا إلى أن مثل هذه الأشياء والتفاصيل لا تقاس بوظيفتها الاستعمالية النفعية، وإنما بوظيفتها الجمالية والرمزية الجديدة، فهي تغدو جزءا من الذاكرة والتراث والثقافة الموروثة، ومن ثم فإن الحفاظ عليها هو حفاظ على المعنى والدلالة المتضمنة فيها’.
ويشير عبيد الله ‘أن النجار تقدم تجربة طموحة في كتابها القصصي الجديد، مشيرا إلى أننا نجد في الكتاب صورة الإنسان الفلسطيني: جنينا ووليدا رضيعا وفتى وشابا ورجلا وكهلا، نجد الذكور والإناث، الرجال والنساء، نجد أهل المدينة والقرية والبادية، ونقابل أهل القدس وأبناء الضفة وسكان قطاع غزة وسكان المخيمات والأهل الصامدين في الأرض المحتلة عام 1948، ونجد المغتربين والمهجرين كما نقرأ عن الباقين تحت الاحتلال، إلى غير ذلك من تمثيلات دالة رسمتها القصص، والمشترك بين هؤلاء أنهم يعانون من أثر الاحتلال وعدوانه الذي أصاب حياتهم في الصميم. ولفت النظر إلى أن القدس نالت نصيبا وافرا من قصص الكتاب، فمن مناخاتها وأجوائها رسمت عايدة النجار قصصا مضيئة محملة بالعبق المقدس.
وأضاف: ‘وهذا الحضور المقدسي يستقيم مع مكانتها الدينية والثقافية والتاريخية وحمولتها الرمزية في سياق القضية الفلسطينية، يضاف إلى ذلك خبرة المؤلفة نفسها ومعايشتها الشخصية لكثير من وجوه الحياة المقدسية’.
وأشار د. عبيد الله إلى أن الكاتبة تنتبه إلى مفردات الهوية ومكوناتها فتحرص على تسجيلها وتوثيقها، فما من قصة إلا وتتضمن تفصيلا ثقافيا صريحا أو ضمنيا، وهذا الوعي بالهوية وقيمة توثيق مكوناتها يؤشر إلى المقاومة الثقافية وأهمية انتقال عناصر الهوية المهددة من جيل إلى جيل’.
عبد العزيز: ‘النّجّار تسعيد فلسطين في الكتابة’ ورأى الشاعر يوسف عبد العزيز أيضا أن ‘عايدة النّجّار تسعيد فلسطين في الكتابة’، لافتا أن ‘النّصوص السّرديّة تنتمي في كتاب (عزّوز يغنّي للحبّ/ دار السّلوى للدراسات والنشر/ عمّان/ 2013) للأديبة د. عايدة النّجّار، إلى فضائها الفلسطيني، كما يشير العنوان الفرعي للكتاب (قصص فلسطينية من ألف قصّة وقصّة). فأنت ما إن تنتهي من قراءة هذه النّصوص، حتى تنبعث بين يديك روائح التراب الفلسطيني، والبحر الفلسطيني،الأزهار والحقول، وترى حشود الناس التي تملأ شوارع وأسواق القدس ورام الله وجنين وغزّة والخليل، وتلك الوجوه القلقة المعذّبة الحائرة، ولكنّها في الوقت نفسه التي تحمل الإصرار والتّحدّي.
ويلفت عبد العزيز أن ‘هذه النّصوص تنفتح على الواقع الصّعب الذي يعيشه الشّعب الفلسطيني، وترصد عدداً عظيماً من المشاهد المقتطعة من الحياة اليوميّة للناس في فلسطين. في الغالب تأخذ الكاتبة مادّتها القصصية من الوقائع التي تحدث هناك، ولكنّها لا تلبث أن تنسج عليها حكايتها الخاصّة، وفي بعض الأحيان تقوم بأسطرتها. عندها تشعّ الحكاية، ويتصبّب منها شلال الحنين الدافق، الذي يجتاح القارئ، ويرجّ جسدَه وروحَهُ.
ثمّة أمثلة كثيرة على تلك الأفكار الأوّلية، التي اقتطفتها الكاتبة من الأحداث، وطوّرتها: في قصّتها (عيد ميلاد نادين)، نعثر على أطفال قرية (دير البلح) الثلاثة الذين احترقوا بسبب استخدام الشّمع في الإضاءة. الكاتبة هنا تعمّق الشّعور الطّاغي بالمأساة، حين تجعل الأطفال يحترقون بنار الشمعة وهم يحتفلون بعيد ميلاد صديقتهم نادين.
في قصّة(عزّوز يغنّي للحب)، نرى ذلك الكناري الذي نجا من مجزرة مخيّم جنين، وفقد أحد جناحيه، وكفّ عن الغناء، كيف يعود في لحظة أمل مباغتة ليغنّي ويصفّق مبتهجاً بجناحه الوحيد!
في قصّة (جميلة)، وهي الطّفلة التي بترت الطائرات الصهيونية ساقيها، في الهجوم على غزّة، نجد أنّها عادت لتتفقّد بيتها المدمّر، وقد استعادت ساقيها، وحقّقت حلمها القديم في أن تكون صحافية.
في قصّتها (ذات يوم حار)، نُطِلّ على صورة الأمّ الفلسطينية الحامل، التي يباغتها المخاض على الحاجز العسكري. تلد الأمّ ويحاول الصهاينة أن يسخروا منها ومن الطفل، فيقولون نسمّي الطّفل حاجزاً! فما يكون من الطّفل الوليد، غير أن يصيح في وجوههم: اسمي أحمد الفلسطيني، ابن أحمد ونعيمة.
أمّا على صعيد أسطرة الحكاية، فنتناول هنا بالحديث قصّة (زجاجة عِطر): هذه القصّة هي من أجمل قصص المجموعة، وأكثرها تأثيراً على القارئ. إنها قصّة بسيطة، تتحدّث فيها الكاتبة عن الجدّة (فاطمة)، السيّدة الثمانينيّة، التي جاءت لتحتفل بعرس حفيدتها (إلهام). لدى هذه الجدّة زجاجة عطر قديمة، كانت قد خبّأتها منذ سنوات طويلة قبل النّكبة. الجدّة تتناول الزجاجة من الصّندوق، وتمضي إلى العروس. هنا يدور حوار صامت بين الزجاجة والجدّة، فالزجاجة خائفة ومتردّدة، وتشكو للجدّة من ردّة الفعل، التي يمكن أن تكون سلبية، من قِبَل الصبايا والسّيّدات المحتفلات، فعطرها كما تقول الزجاجة ربّما لا يعجبهنّ، وذلك لأنهن تعوّدنَ على الأنواع الحديثة من العطور. لكنّ الجدّة تمضي بالزّجاجة إلى العروس التي تنهض لاستقبالها، وترقص معها. تتحلّق النّساء الراقصات حولهما. في هذه الأثناء تفلت الزجاجة من يد الجدّة، ولكنّ الجدّة سرعان ما تلتقطها، وتهتف بفرح عظيم: ‘لم تنكسر زجاجة عطر البرتقال والليمون، هديّة عرسي قبل الرّحيل، لم تنكسر، لم تنكسر. حين فتحت الجدّة الزجاجة، تسرّبت تلك الرائحة القديمة الأسطورية، رائحة يافا، وانتشرت في الأرجاء.
تشكّل الأسطر الأخيرة من القصّة، الانعطافة الحاسمة في بنية الحكاية، فقد استطاعت الكاتبة من خلالها، أن تمحو كلّ تلك السّنوات الطّويلة من النّفي، وما رافقها من تشرّد وشقاء، وأن تعود ليس بالجدّة الثمانينية فقط، إلى الوطن المفقود، ولكن، بشخصيّات القصّة الأخرى، وبالقارئ أيضاً. لقد كانت قطرات العطر القليلة التي سالت من الزجاجة، بمثابة الضّربةالذّهبية التي فتحت الحكاية على أمداء واسعة من الغبطة.
النجار: وفي معرض الاحتفاء بكتابها ألقت الدكتورة عايدة النجار حيت ‘الجمع الخيّر’، ووجهت شكرها لمنتدى عبد الحميد شومان الثقافي وفريق العمل النشط الذي يوفر لي هذا الجو الثقافي بامتياز، كما شكرت الزملاء على المنصة لجهدهم في تقديم الكتاب والآراء، معبرة عن شكرها للناقد ‘الدكتور إبراهيم السعافين، أستاذ النقد الحديث في الجامعة الأردنية على المقدمة التي أضافت للكتاب جمال اللغة والفكر والمشاعر الوجدانية’.’ ‘وزادت: ‘كتابي الجديد الموسوم (عزوز يغني للحب : قصص فلسطينية من ألف قصة وقصة)، تجربة جديدة أخوضها في توثيق ما يتعلق بالفلسطينيين تحت الاحتلال’ ومعاناتهم وأمالهم للتخلص من هذا الواقع المرير الذي طال أمده، في كتاباتي السابقة تناولت المأساة الفلسطينية بأساليب مختلفة،’ كتبت بالأسلوب العلمي في الأبحاث والموسوعي الموثق، والصحفي في المقالة والأدبي الواقعي في السير الذاتية والجمعية، وفي عملي هذا، تجرأت أن أخوض أسلوبا جديدا، أختار أحداثا في جلها حقيقية كما أختار صورا للمعاناة الفلسطينية تحت الاحتلال.
بالإضافة أوثق أمثلة عن الإنسان الفلسطيني الصلب الذي يتحدى الجلاد ‘وهو مصر لاستعادة ‘فردوسه المفقود’ ، إذ أرى في الأحداث والمعاناة اليومية قصصا واقعية وخيالية’ ورمزية’ تفي بالغرض ‘لتوثيق الأرض المسروقة بكل ما فيها’ من تراث و جما ل وقد أخذت تتغير بفعل المحتل من هدم للبيوت وبناء المستوطنات على أنقاضها ، وفتل الناس وسجن الأحرار.
ولعل هذا النوع من الكتابة القصيرة ‘المكثفة تسمح للقارئ أن يتذكر المأساة الفلسطينية المستمرة من صور باهتة أو حيّة ظلت في وجدان الجيل ‘الذي عاش في فلسطين ويشتاق للأمكنة والناس والعادات والتقاليد فيها.’ بالإضافة لعلها’ تسمح للجيل الجديد أن يعرف أكثر عما يجري في فلسطين في هذا الزمن سريع التغيّر’.
‘وفي نهاية الأمسية وقبل توقيع كتابها، قرأت قصص ‘المجموعة، وهي على التوالي: ‘عزوز يغني للحب’، ‘دمعة سعد (عن الاسرى)’، ‘ورود عيد الحب’ ويقدم (صورة من حصار غزة)، واختتمت بقصة ‘صورة الأجداد’ و(تحكي عن القدس).