عَرَفتها لفتا/ القدس، والقاهرة، وعمان،

عَرَفتها المظاهرات السياسية في الأردن في الخمسينيات،

ورابطة الطلاب الأردنيين في القاهرة في الستينيات، ثم رابطة الطلاب العرب في أميركا في السبعينيات، وعرفتها الكتابة السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والدراسات الأكاديمية، عبر عدد من الكتب: «صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن: 1948-1900»، و»بنات عمان أيام زمان»، و»القدس والبنت الشلبية»، و»عزوز يغني للحب؛ قصص فلسطينية من ألف قصة وقصة» و»لفتا يا أصيلة: خرّيفية قرية»، وعبر عدد من الأبحاث والدراسات والمقالات، التي نشرت في صحف ومجلات عربية.

هي الكاتبة والصحافية والباحثة؛ د. عايدة عارف النجار، التي ولدت في لفتا، وهجِّرت منها إلى عمان – الأردن عام 1948، واستقرّت فيها حتى رحيلها يوم 5 شباط 2020.


تحدَّثت د. عايدة حول ما تذكره عن أهمية الصحف للفلسطينيين بشكل عام وللمناضلين بشكل خاص، في الثلاثينيات – ضمن مشروع التأريخ الشفوي، الذي بادرت إلى تنفيذه إدارة المرأة/ وزارة التخطيط، نهاية التسعينيات:

«كان عمري أربع سنين، في الـ 39، كان محبوس خالي في عتليت. حبسوه على مقالة نشرت بجريدة الدفاع، بيرفض الانتداب وبينادي للثورة. حطّوا الجرايد في صدري، ولما وصلنا هناك بَتذَكّر حطيتهم بين الخبز، كان خالي يقول: هذول أبدى إلي من الخبز. الحرّاس العرب كانوا يسهّلوا من تحت لتحت الجرايد، فأنا باتذكر كلمة خالي، كتبتها بالأطروحة بتاعتي إنه الجرايد بالنسبة الي أهم من الأكل».

وحين تروي عن تهجيرها عام 1948؛ تؤكد أن دير ياسين كانت نقطة البداية للتهجير القسري:  

«دير ياسين كانت السبب، لأنه دير ياسين ولفتا قراب على بعض. كل أهل لفتا كانوا ملاكين مشهورين، واللي إله ارض بيكون متمسك فيها، فلما صارت دير ياسين، حملوا السماعات الكبيرة اليهود وقالوا: يا أهل لفتا إذا ما طلعتوا بِصير فيكم زي ما صار بـ (دير ياسين)، الهاجانا حطوا القنبلة بالقهوة، على أثرها تركوا الناس القرية.

إحنا كان عنا بيانو أختي وأخوي، وبيتنا كله مفروش مودرن، وتحف؛ غطيناهم بالشراشف، على أساس راجعين، أخذنا الضروري ورحنا على الطوري، لجأنا أول مرّة على أساس نرجع، بعدين لما حميت الشغلة طلعنا وإجينا على عمان».


ضمن شهادتها؛ تؤرخ الكاتبة لأول مشاركة نسائية في المظاهرات السياسية في الأردن:

«أتذكر قبيا، هذه المظاهرة الكبيرة اللي أول مرة في الأردن ستات بتشترك فيها بـ 14/3 أظني سنة 54.

كنت ألقي أحاديث الصباح في المدرسة؛ حرَّضت البنات. كنت في اللجنة التنفيذية لاتحاد الطلبة، وكنت أول بنت مثلت البنات، فاتصلت مع الشباب بالمدرسة الإسلامية، ومدرسة الحسين، وقلت: خلينا نطلع مظاهرة. بنات المدرسة تحمسوا، كتبت لهم الهتافات، ضد الصهيونية، وضد الاحتلال، منشان قرية قبيا، بتذكر هذه المظاهرة وبعدين مظاهرات كثيرة، فكان إلها صدى كبير».


روت د. عايدة عن بدايات عملها في العمل الصحافي منذ صغرها، ثم عن تخصصها ودراستها الأكاديمية، ويتبين من خلال شهادتها الشفوية؛ ارتباط كتابتها بالسياسة بشكل وثيق:

«كنت وأنا صغيرة أراسل جريدة الحوادث، وجريدة الأخبار، بعدين جريدة الدفاع، الأخبار كنت أنشر فيها وأنا صغيرة، كانت كتابتي وطنية كثير، يحسّبوني أكبر من سني، مرَّة كتبت مقالة عنوانها: «سجّل أيها التاريخ»، حطّوا لي إياها بالجريدة جنب مقالة دكتور «إبراهيم بكر»، فلما شافني رئيس التحرير قال لي: إنتِ عايدة النجار؟ إحنا لازم نحطك مع قسم الأطفال، حطّناك مع «إبراهيم بكر» والكبار.

 بعد ما تخرَّجت رجعت للأردن، اشتغلت فترة صغيرة، ورجعت كمّلت بأمريكا صحافة، كنت من المؤسِّسين لرابطة الطلاب العرب في الجامعة، كمّلت للدكتوراه، كتبت الأطروحة شو بيتعلق بالحركة الوطنية اسمها: The Arabic Press & Nationalism in Palestine under the British Mandate  شفت تاريخ الحركة الوطنية من خلال الصحافة، كنت أول واحدة كاتبة عنها، وساهمت في الإنسيكلوبيديا الفلسطينية، الجزء المكتوب عن الصحافة. ساهمت في حوالي 90 اسم من الصحافيين».


تحدثت الكاتبة أيضاً عن تأثير عائلتها على تكوينها الثقافي، وعبر شهادتها نلمس تأثرها الكبير بنساء العائلة:

«أخوي كان من أوائل المتخرجين من الجامعة الأميركية مهندس، أختي الكبيرة «عريفه» إلها دور كبير لعبته في مجتمع أهل لفتا بشكل خاص، أنشأت أول مدرسة للبنات؛ وكان أخوي يشتغل بالإذاعة الفلسطينية، بالقدس، عنده برنامج اسمه برنامج القرية، أختي «عريفة» بالحركة الوطنية، اشتركت مع اللي راحوا من الاتحاد النسائي على مصر في الثلاثينات (1938)، للمشاركة في المؤتمر برئاسة «هدى شعراوي».

هذه الشغلة مأثّرِة عندي، وهي من بعد ما اجينا على الأردن، كانت نشيطة في مساعدة الفلسطينيين في المخيمات، اشتغلت في الوكالة لفترة طويلة، ونفس الشيء أختي «رفقه» اشتغلت في وزارة التربية والتعليم، وأسست أول مدرسة بالزرقاء، سنة الـ 49 أو 50 ومشّتها من الصفر للتوجيهي.

 أمي وخالتي كانوا مسيَّسات، بيجوز بتأثير خالي «يحيي حمودة»، ما كانوش يحكوا عن أي اشي إلاّ بالسياسة. خالتي «عيوش حمودة» كانت تألِّف أشعار، كانت جميلة، وتلبس أجمل ثياب في المنطقة، وتسوّيهن عند «نجمة» بالقدس. أمي وخالتي وعماتي كان الهن شخصية لأنه تربّوا في جو منفتح.

اللفتاويات أو الفلاحات عنا بفلسطين كان الهُم دور، والفلاحات شخصيتهن قوية، الجندر مارسوه قبل موضة الجندر الحالية، كانوا: منها ست ومنها رجّال قَدّ حالها. بأتذكر أختي «عريفة»، مع مجموعة من ستات القرية، كلهم قاعدين في البرندة الكبيرة بتاعتنا، وكان في سلة، عمّالهم يجمعوا الذهب منشان المجاهدين.

فعلاً تأثرت كثير، لما كنت أقرا الجريدة ألاقي اسم ست؛ أفرح، وأشوف حالي فيها».


العزيزة د. عايدة النجار،

سوف يذكرك أحباؤك جميعاً، وطلاب العلم والمعرفة، أينما كانوا،

سوف تذكرك لفتا الأصيلة، وبنات عمان، وجامعة القدس، وندوة اليوم السابع، والمقهى الثقافي في القدس، وجمعية لفتا الخيرية في رام الله، وجمعية أبناء لفتا المقدسية، وهيئة حماية الموروث الثقافي، ورابطة الكتاب الأردنيين، ومنتدى الفكر العربي، ومنتدى بيت المقدس.  

مكانتك يا ابنة فلسطين المخلصة؛ محفورة في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني.

فيحاء عبد الهادي

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment