في خضم عالم اليوم سريع التغير المتأثر “ بالعولمة “ التي طالت المأكل والملبس والمسكن ، تطل علينا معلمة فلسطينية متميّزة أخرى بعد- المعلمة الأفضل في العالم حنان الحروب – في أدخال البهجة .الى روحنا المجروحة . ربطت المعلمة المبدعة “ست سهى “ التراث الفلسطيني بالحداثة في مدرستها( العودة ) في بيت لحم . فالواقع المرير بفعل الاحتلال الذي يسرق الحطة والعقال والثوب المطرز والادعاء أنه لها جعلها تبتكر وسيلة لتخفيف أثار الاحتلال على نفوس الطالبات في محاولة للتعليم والتطبيق. وقد ارتأت أن تدخل بعض البهجة والمرح على مراييل البنات التقليدية التي لبستها بنات المدارس الحكومية في فلسطين منذ أواخر الحكم العثماني وتحت الانتداب البريطاني ، وهي المقلمة بالأبيض والأزرق أو الأبيض والأخضر . فالمعلمة المبدعة ،استوحت فكرتها من التراث بادخال التطريز” الفلاحي “بقطب التصليبة على المريول بشكل ابداعي فني فيه حرية شخصية لاختياراللون والرسوم والمكان على الزيّ مثل القبة أو زند الكم أو شريط الرأس . ويبدو أن هذا التحديث ٌقد لاقى قبولا وترحيبا واسعا بين البنات والأهالي ومسؤولي وزارة التربية في منطقتها . أصبح المريول أكثر أنوثة وجمالا وتميزا من السابق ، والبنات يمشين بدلال ورائحة الجدات تلفهن وتحثهن على العلم الذي حرمت الكثيرات منه .
لفتتني هذه المبادرة التي نشرتها وسائل التواصل الاجتماعي ، فنحن اليوم نحتاج توظيف الوسائل الممكنة لنحافظ على التراث والأصالة كما الروح الوطنية في وقت تحاول إسرائيل فيه إكمال خططها لسرقة ما تبقى من الأرض والتراث وتغيير الانسان وطمس هويته . تأتي هذه المبادرة في الوقت الذي ما زالت نقاشات المختصين والباحثين مستمرة باستقصاء الواقع المحلي والعالمي والتي تهدف لاستنباط التأثيرات على التراث والهوية ، والتغيرات على الفلسطيني تحت الاحتلال. وهنا لا بد من وقفة ، عند سحر وجمال التطريز الفلسطيني المرتبط بثوب المرأة الفلسطينية ثوب الجدات الكنعانيات قبل ألاف السنين . هذا الجمال المبهر للثوب التقليدي الذي ازداد التمسك به ليس فقط من أهل قرى فلسطين التي ما زالت تلبسه ، بل من كل نساء فلسطين في المدينة أيضا .
التراث الفلسطيني أصبح معروفا على المستوى المحلي والعالمي بأنه أحد أبرز الأدوات التي تحمل وتحاقظ على التاريخ الملتصقة به والمجبول بالنستولوجيا .
وقد اصبح علما اهتم به المؤرخون والسسيولوجيون ، وقد أنشئت مؤسسات وهيئات وتخصص الكثيرون به من أجل حماية التراث والهوية كما المؤسسات المهتمة بحقوق الانسان . أصبحت ألوان الأحمر والأخضر والبرتقالي ومشتقاتها التي تنسج بأنامل نساء فلسطين اللواتي رضعن صورة ولون الوطن وهويتة قبل الشتات وبعده . هذه الجزئية من التراث والتي ابتكرته المعلمة في مدرسة( العودة ) وطبقتها على الزيّ المدرسي الرسمي لا تبدو لي غريل ارتباطها الوثيق بالتراث الشعبي الموصول بالثقافة الوطنية وتفاعلاتها , فالثقافة الشعبية هذه ترتبط ايضا بالحياة العقلية والفكرية والوجدانية والسلوكية للناس . فالتطريز التقليدي بألوانه الجميلة الذي طرز بشكل فني وجمالي على أكمام وأذيال المريول بلا شك سيعمق الوعي المعرفي بالتراث بشكل عام وبهذا التراث بشكل خاص . فالمكان والزمان الذي تجري فيها هذه التجربة مناسبة ، لسرد الرواية الفلسطينية وحكاية المرأة الفلسطينية التي هاجرت من قريتها عام النكبة وهي لا تحمل معها أثوابها المطرزة الجميلة إلا ما تلبسه ، وظلت تلبس ذلك الثوب اليتيم لقلة حيلة اليد . وهناك القصص الكثيرة التي تروى عن الالام النفسية التي ذاقها البعض بسبب ذلك ، وأيضا عمن حملن أكثر من ثوب قمن ببيعه من أجل إعالة العائلة وتعليم الأولاد . الموروت الشعبي الفلسطيني الذي يتجلى بهذه المبادرة الابداعية الفنية أيضا سيفتح الذاكرة الفلسطينية على ما تحمله رسومات وعروق الأثواب المطرزة من أرض وزهور بالوان الجنة والنار يعتبر تفاعلا ثقافيا في المكان الصحيح ألا وهو المدرسة التي ستعزز أهمية التراث والحداثة في زمن نحن بأمس الحاجة له من اجل صنع المستقبل التي تستمر أسرائيل بالسطو عليه كي لا نسترد الوطن .
لا بد أن تكبر هذه المبادرة الإبداعية المحملة بأحلام “ العودة “ في هذه المدرسة وتترسخ في ثقافة وقكر ووجدان الطالبات لحين العودة . ولعل وزارة التربية تأخذ هذا العمل مأخذ الجد وتعممه على جميع المدارس لتوثق أساليب العمل النضالي الذي يقوم به الشعب الفلسطيني من أجل إزالة الاحتلال الغاشم و تحرير فلسطين المطرزة بالحنون والزيتون .