الحافز الذ ي جعلني أتناول هذا الموضوع الهام ، هو فيديو جميل يعرض أطفالاً يتعلمون رقصة الدبكة. علّقت على “الفيس بوك” الذي قدمه لنا ( بلايك ) لأنني سعدت بهذا النوع من التعليم الذي أرجو أن يكون مؤسسيا ، بل إجباريا في دروس الفنون أو الرياضة أو أي مساق في المدرسة . ولكني بعد قراءة بعض التعليقات التي لا تحبذ مثل هذا النشاط منها : “ هيك التعليم والا بلاش “- ولا ادري اذا كان استهزاءً أو تقديرا – و” هم يعلمون أولادهم حمل السلاح ونحن نعلمهم الرقص “ وثالث : “ أحسن لهم ركعتين صلاة .. “ ، عدت بالتفاعل مع أراء المتداخلين بتعليق قصير كما يتطلب الاتصال الاجتماعي على الفيس بوك ، لأعبر عن معنى الرقص الشعبي أو الدبكة التي يقوم بها الفتيان والتي يجب أن نراها ونحن نعيش في فلسطين تحت الاحتلال ،وأعود هنا لأكتب في مساحة أوسع حول الموضوع “والرأي والرأي الاخر “ .
نحن في هذا الوقت أحوج ما نكون لتعليم وتثقيف الجيل الجديد وتسليحهم بكل الأدوات والرموز التي تخلق فيهم الروح الوطنية والقومية المستندة على جذورها الشعبية التي تعزز الهوية والتراث . فالرقص الشعبي كما يراه المتخصصون والدارسون الانثربولجيون والاجتماعيون ، هو من التراث الشعبي غير المادي ، الذي يشمل الفنون وأنواع الرقص والأغاني والحكايات والقصص والأمثال والألعاب والأحاجي ، يمارسه الرجال والنساء ، والاطفال أيضا . يضاف اليه اللباس والأطعمة والعادات والتقاليد . وقد أصبح موضوع التراث الشعبي هاما منذ السبعينيات من قبل المؤسسات الأممية مثل اليونسكو أو التي تتناول التنمية المستدامة والمتكاملة وأهميتها في حياة الناس . وبتناول هذا في كتاباتي أو كتبي المنشورة ما يشير لاهتمامي وإيماني بهذا النوع من الحفاظ على الهوية الفلسطينية التي أصبحت مهددة بالضياع بسبب قيام اسرائيل ومحاولته طمسها لتزوير التاريخ .
ولعل الرموز والحركات التي يقوم بها” الراقصون “ أو المغنون ، إذا ما فهمناها تجعلنا نصر على تعليم الكبار والصغار الإرث الشعبي منها الموسيقى الشعبية والأغاني التي تعود بنا لحياة الأجداد في أرض كانت عامرة بالحب والبهجة كما اللوعة على الشهيد أو العزيز في بكائيات أنشدها الفلسطينيون في ثوراتهم ضد المستعمر الأوروبي قبل المستعمر الصهيوني المتخصص بسرقة الأرض ، وانكار تراث الفلسطيني صاحب الأ رض الخيرة المصّر على البقاء .” فالدباكون “يتحركون ويتمايلون على أنغام “الشبّابة “- آلة موسيقية تقليدية صنعها الأجداد من شجر القصيب ، ليسعدوا وهي تنشر شذى أنغاما شجية منها: دلعونة ، وعتابا ، ويا زريف الطول ومشعل وغيرها . فشرط الدبكة أن تكون جماعية وليست فردية ، على الأقل خمس أو أكثر . يتجلى جمال الرقص في تشابك أيدي المجموعة من الرجال معا ، أو من الرجال والنساء بالزي الشعبي للمرأة وهو الثوب الفلسطيني التراثي المطرز بالأزهار والأشجار والطيور والألوان المنقولة عن الطبيعة الجميلة التي يسقيها الفلاح بعرقه وجهده ، ويتجمل الرجل بزيه الشعبي القمباز والحطة والعقال . هذه الرقصة ساهمت في الحفاظ على لباس الأجداد الذي يتحدى العدو لأنه رمز الهوية . هذا التراث الجميل العتيق لفت نظر العالم ما جعل إسرائيل الادعاء بأن اللباس جزءاً من تراثهم اليهودي ، كما انتحل الطعام الفلسطيني التراثي مثل” الحمص والفلافل “ !
فالاصوات الموسيقية العالية التي تصدر عن الرقص بالارجل هي موسيقى من نوع آخر لتدل على القوة النفسية الشخصية والجماعية وعلى الاصرار للبقاء على هذه الأرض التي تولد الشهداء من أجل مواصلة معركة التحرر الوطني . الدبكة والغناء والتمسك بالتراث متكاملا من أجل الحفاظ على الهوية الفلسطينية هو من ضروريات التنشئة المتكاملة والمستدامة من أجل استرجاع فلسطين وقلع المحتل . ولا يعني هذا انكار الصلاة والعبادة ، فالصلاة في أوقاتها والتمسك بمبادئ الإسلام الحنيف أو المسيحية السمحة دون زيادة ولا نقصان هي من الضروريات . الدبكة والفرح “والرقص ، هو رد على ادعاءات إسرائيل ، بأن الأم الفلسطينية “لا تحب أولادها “ لأنها تزغرد عندما يقع الشاب أو الطفل شهيدا على أيدي الجلاد الإسرائيلي . الأم الفلسطينية كما الأب والمؤسسات التعليمية ، معا يجب التمسك برموز الهوية وبتاريخ الشعب الفلسطيني النشيط الذي زرع أرضه بالقمح والشعير وبشجر الزيتون المعمر الذي تقلعه اسرائيل لأنه يشهد على التاريخ والجغرافيا .
إسرائيل تريد الانسان الفلسطيني أن ينسلخ عن الماضي لتزور التاريخ ، فهي لا تريد الاطفال أن يحلموا أيضا ويتكاثروا خوفا من هذا الولد أو البنت التي لا تستطيع حمل السلاح كأطفالهم الذين يعلموهم الكراهية . الطفل الفلسطيني يضطر لحمل السكين والحجر بشجاعة ليواجه الجلاد وهو يلبس الكوفية ويحفظ الأغاني والأهازيج التي ستظل جزءا من الهوية. فليرقص الأطفال ويغنوا وهم يتعلمون دروس الوطنية والدفاع عن الأرض بالعمل والقول معا ….وهم أيضا يصلون ويطلبون من الله النصر المبين وهم يقاومون المحتل .. !