عندما دخلت قاعة المعارض، في مبنى مقاولي الانشاءات الأردنيين في عبدون بتاريخ 15 اكتوبر الحالي الذي استضاف معرض مركز التراث الفلسطسني هذا العام ، شعرت بدهشة محببة وسعادة غامرة ، والمضيفات بالثوب الفلسطيني التقليدي المميز بالتطريز الجميل يستقبلن الضيوف . تراءى لي نساء كنعانيات حفيدات الجدات يمثلن القرى الفلسطينية التي لم تمت رغم اغتيال خمسمائة منها في نكبة 1948 . سعدت ، وكأنني أباهي العالم بأن إسرائيل لم تستطع قتل هذا التراث المطرز بأيدي النساء بالابرة والخيط غرزة ،غرزة . هدايا جميلة يقدمنها لقيمتها التاريخية والمعنوية . قاعة تعج بتناغم الألوان الحمراء ، والأرجوانية والخضراء والزرقاء ، من مفارش، وصور مطرزة بالاضافة للثوب الشعبي التراثي متجدد الحياة , بشكله الذي له خصوصية ، وأسماء ، وألوان ، ورموز تقول ، نحن هنا , نحن اصحاب هذه الارض الأصليين ، ولن ننسى ، رغم غربتنا ، رغم رحيل الأجداد ..
لم يأت هذا الحضور الصارخ للثوب الشعبي الأصيل من فراغ فعمره خمسة آلاف سنة وأزيد ، وما زال مستمرا حتى الان . أصبح” الثوب الفلاحي “ معروفا في جميع أنحاء العالم ، وله مكانة في المتاحف العالمية . ثوب من قماش كانت المرأة القروية سافرة الوجه تلبسه لتعمل فيه الى جانب الرجل ، وترقص فيه وتزف يوم عرسها بثوب أبو قطبة المطرز بألوان صبغتها ذاكرة التاريخ وطرزتها انامل الصبايا والعجائز . وللثوب الفلسطيني الشعبي التراثي حكايات واقعية منسوجة بالجمال والخصوصية التي تعشش فيها الطبيعة الجميلة بكل تفاصيلها . كان هذا الثوب يقف شامخا على قوام المرأة القروية التي تزرع الارض وقد اصبح رمزا للهوية الملتصقة بأرض وسماء فلسطين .
يحمل الثوب التراثي على بدنه فيضا من الرسوم والزخارف ، بعضها : شجر السرو ، وشجرة الحياة والورد ، والقرنفل ، وكانت البيئة والمكان تملي على من تطرزه رسومات الأبواب والمفاتيح ، والفنجان , وترسم الحمام والديوك ، لنجعل الثوب يختزن أصوات الطيور تغني للحياة . ولعل رسومات النجوم والأقمار المرصع بها ، تشير الى العلو والشموخ الذي تشعر به المرأة وهي ترتديه .فما زالت أشكال الزخارف المطرزة على الأزياء المعاصرة ابتكار أجدادنا العرب الكنعانيون تغيظ إسرائيل التي لم تكتف بسرقة الأرض ، بل ها هي تلبسه لمضيفات شركة العال ، في محاولة لطمس الهوية والتراث العربي الفلسطينيى
ويأتي هذا النشاط اليوم ، والفلسطينيون ينتصرون في قرار دولي اتخذته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم( اليونسكو ) المعنية بالثقافة والتراث مثل هذا-المكان التراثي الديني الاسلامي المقدس – يدحض القرار الأساطير والخرافات، بأن المكان لهم لاقامة الهيكل المزعوم مكانه .
. وفي هذا السياق فإسرائيل تستمر في محاولاتها تزوير التاريخ والتراث ، بجميع أشكاله الدينية أو المادية ، وغير المادية ، مثل الثوب الفلسطيني العريق ، الذي تنسبه لها , ووثقت ذلك زورا بأن ألبسته لمضيفات شركة العال الاسرائيلية ، كثوب من تراثها . وكانت زوجة “ موشيه دايان”تلبسه في الحفلات الرسمية من أجل الدعاية الصهيونية.
إن التمسك بالتراث الفلسطيني عمران ومعالم وأثار وم من لباس ، وأطباق شعبية ، وغناء ورقص ، وعادات وتقاليد موروثة ، ه من واجباتنا ّ لابقاء ت تراثنا العربي الفلسطيني الغنيّ حيّا مهما حاولت اسرائيل قلعه من الجذور . فتحية لمركز التراث الفلسطيني ممثلا بالسيدة سهام الدباغ ، والسيدة سهام أبو غزالة ، والفريق النشيط ، على المحافظة على التراث حيا لأنه الشاهد الاصيل على ما يقوم به العدو من سرقة وتزوير الحقائق للمزيد عن الثوب التراثي : انظر كتابي : ( لفتا يا أصيلة : خريفية قرية ص 151- 191 ) .