يبدو أن هذا الحوار أو الصراع حول التعليم والمناهج ، ومخرجات التعليم المستمرة لليوم ومنذ وقت ليس بالقليل ، ستستمر دون حلول مجدية . يرى المختصون وغير المختصين من المتشابكبن بالحوارات والنقاش الذي وصل الى صراعات أجيال وعقائد ،وحضارة وثقافة أيضا . ولعل هذا ما يشير الى الخلل الواضح الذي يتخذ منحى يبدو وكأنه خلافات شخصية فردية وجمعية ، يحاول الفرقاء اثبات الرأي والانتصار على الاخر . نعم هناك مشكلة بحاجة لنقاش أوسع ، وجدية أكثر وبوسائل علمية وتطبيق نتائجها .
أسئلة كثيرة حول الموضوع ، وكيف أن تعليم أيام زمان ، كان له « فائدة أكبر» كما تدل مخرجات التعليم التي انتجت مدرسين وادارين واقتصاديين درسوا في بيئة ومناهج في مدارس حكومية في فلسطين والأردن حيث كان منهاج الصفوف الأولى الأساس في تعليم وتربية الطلاب . وبالعودة لمنهاج خليل السكاكيني الذي وضعه حتى الصف الرابع ، حيث استعداد الطفل للتعلم وخزن الجديد منه كان نافعا لأجيال الرواد والمبدعين والمعلمين .
كان الدرس الأول الذي وضعه ،خليل السكاكيني يقول : «إلى أين أنت ذاهب يا بني ؟ / الى المدرسة . / ماذا تتعلم فيها ؟ / القراءة والكتابة والحساب ودروسا أخرى . / ماذا تعملون في أوقات الفراغ ؟ / نخرج الى الملعب فنلعب «.
ولعل بساطة الدرس الأول وواقعيته ما ساعد الطفل في الصف الأول ، أن لا يفقد طفولته . ففي الصف يتعلم القراءة : « راس , روس – دار دور – « ، يتعلم الملموس و ما يرى حوله ليفك الحرف بها كوسيلة ، وليغني الأناشيد الطفولية عن الأزهار والقهوة ، والسيارة ، التي لا تحتاج للبصم أو الحفظ غيبا الا القليل لتعويد الذاكرة . ولأنه مبتدئ لم يثقل عليه السكاكيني , فأرشد المعلم والمدرسة ، أنه يجب أن يستريح ، ولذلك يلعب في الملعب في وقت الفراغ ، لينشط عقله ويعود لاستيعاب الجديد .
ولعل هذا ما ينقص أطفالنا اليوم ، الذين يدرسون وقت اللعب ويلعبون وقت الدرس . نعم تغير الواقع وأدوات التعليم ، واصبح الطفل» نابغة « ، كما يصفه أهله ، والمدرسة والبيت والشارع يرمون بكل ما لديهم من معلومات تناسب سنه ، أو سن غيره ، ليحمل على ظهرة حقيبة ثقيلة فيه « التي يحفظها بصما ، ليتعب عقله ، كما جسمه الذي يحمل ثقل الحقيبة . مما دعى المختصون في العالم للفت النظر لخطر هذا الحمل على ظهر وصحة الطفل . ولذلك نرى اليوم الحقائب من نوع جديد تراعي صحة الطفل.
وفي درس الحساب كما جاء في الدرس الثالث للسكاكيني : « ….قال المعلم للصغير . إذا أعطاك أبوك خمس تفاحات ، ثم أعطتك أمك أربع تفاحات ، فكم تفاحة تكون معك ؟ / فقال الولد : تسع تفاحات . / فقال المعلم ، اقسمها بينك وبين أخيك / فقال الولد / أربع تفاحات لي ، وخمس تفاحات لأخي . « هذا الدرس البسيط علّم الطفل منذ نعومة اظفاره ، درسا في الاقتصاد ، بالاضافة لدرس أخلاقيّ هو الايثار وليس الأنانية ، والتي أخذت تتفشى بين الكثيرين بسبب المادة وحب التملك .
عملية التعليم التي تناقش اليوم « بحرارة وسخونة « بحاجة لمعالجة عملية ، في عصرنا سريع التغير بأساليبه وأدواته الجديدة ، كي لا تتسع الهوة بيننا وبين العالم الذي يركض وراء التطور . وباختصار نحن بحاجة الى تأسيس آليات لامتلاك العلم ونشره ،بواسطة معلمين أكفاء ومناهج لا تهمل السياق المجتمعي من لغة ودين وتراث فكري . وقد يكون من الأنسب الدعوة لندوة تتحاور فيها الاطراف المعنية ، بدل هذا الحوار الذي يبدو للتعبير عن» الرأي والرأي الآخر» بدل المشاركة الجادة في حل الازمة !