لم يُخف ترامب ما في داخله من قيم سلبية وكراهية الا لأشباهه ، فهذا شيء محزن ويبعث على التوقف لنرى اين وصلت السياسة العالمية من تخبط مليء بالمشاكل. اثبت ترامب في معركته الانتخابية أنه بفجاجته وتعاليه وعنصريته هو الأصلح لأمريكا كما يبدو لمن انتخبوه . تمكن من الوصول للرئاسة رغم شخصيته المهزوزة واللا اخلاقية ، فهو الذي يتحرش بالنساء ، ويكره السود والأجانب والمسلمين ، في زمن تتشدق فيه امريكا بالقيم الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان . لقد استعمل ترامب الاسلوب” الشعبوي” في خطابه واعتمد على الافكار والرؤى والتلاعب على المشاعر لتتلاءم مع ما يخلقه من مزاج عام . جعل الافراد من الطبقة الوسطى والدنيا يحلمون أن يصبحوا اغنياء مثله وصور هذا المال الذي لديه عملية سهلة ، ليعزز احلامهم بقدرته على جني المال . لقد صور نفسه أنه ضمير الشعب ، وهو الأبعد عن ذلك لأنه يخدعهم بتبديل مفهوم”الشعبوية “ السلبي الذي استعمله ، بالمفهوم “الشعبي “ الوطني . اعتمد على المشاعر المبسطة للشعب الذي يستغله في عالم متخبط يشكو من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي .
منذ انتخابه لم تتوقف الكتابات والتعليقات في وسائل الاعلام والاتصال التقليدية والحديثة نتناول هذا النجاح الكبير . ولعل ابرز ما أثار سخافة ما وصلت اليه الحالة السياسية في أمريكا عندما توقف طويلا وبوقاحة ليتودد لاسرائيل وبشكل خاص لنتنياهو صديقه الودود وكأنه يرد الجميل لأصوات اليهود . هذا التحيّز الذي يستفز الفلسطينيين الذين يعانون من اسرائيل ونتنياهو الذي يدعي السلام وهو ماض في بناء المستوطنات والتنكيل بهم . وهو بهذا يذكر العالم بأن الاثنين يتشاركان بخصال متشابهة من الكراهية وقلة الأدب ، وعدم احترام الانسان ويفاخران بالعنصرية والشوفينية . شيء عجيب كيف استغل ترامب وصوله وكأنه يقول لنتنياهو أنا يهودي أكثر منك ، “ابنتي ستلد ولدا يهوديا “، وكأنه يطمئنه على التزامه بحب اسرائيل ، وهو يؤكد بشكل استفزازي أنه سينقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب الى القدس بالاضافة لوعود أخرى . هكذا يقول ، دون احترام للقرارات الدولية أو حتى المصالح الأمريكية. في الحقيقة ترامب لا يمتلك الثقة بالنفس ولذلك يتصرف ، بشكل انفعالي ووعود لا يمكنه تطبيقها رغم أغلبية جماعته في الكونجرس .
ترامب رجل اعمال سيحرص لابقاء الشرق الأوسط ساحة وسوقا له وللشركات عابرة القارات ، سواء بالحرب او السلم . بين نتنياهو وترامب أحلام متشابهة : حلم نتنياهو أن تكون اسرائيل”دولة يهودية “ على حساب العرب الفلسطينيين الذين ما زال نتنياهو يواصل طرد الفلسطينيين من اراضيهم وهدم بيوتهم وقطع شجرهم , وحلم ترامب أن يحكم امريكا لكي يحكم العالم بنظام جديد من الفوضى والعنصرية والراسمالية المتوحشة غير العقلانية لخدمة الافراد من اليمين المتطرف الطامحين للمزيد من البليارات كأمثاله .
إن هذا التعالي والعنفوان بين “الزعيمين “ لن تمكنهما من تحقيق أحلامهما غير المضمونة ولا المرغوبة . ولعل المظاهرات ضد نجاح ترامب في اماكن عدة في أمريكا تشير لذلك .
والجديد في هذه التطورات السياسية الأمريكية أن رئيسها لا يحترم الانسان والمبادئ الاجتماعية ولا الليبرالية والديمقراطية . فترامب أميّ سياسيا ، ولا يعرف الكثير عن القضية الفلسطينية وقد أظهر هذا الجهل وهو يعد نتنياهو بالكثير . ولعله وهو في مرحلة التعلم التي سيمر بها يستطيع على الاقل ، من التراجع ليحافظ على الليبرالية والديمقراطية التي تتغنى بها أمريكا في حروبها ضد شعوب العالم كما تدعي . يبدو أن هناك نظاما سياسيا واقتصاديا جديدا في الأفق سيحاول ترامب تطبيقه ليس لخدمة الأمن والسلام العالمي ، بل من أجل خدمة مصالح طبقة جشعة ينتمي اليها ليزيد عددهم على حساب فقراء العالم ، فلننتظر ونرى .