إسرائيل ماضية في مخططاتها لتهويد كل شبر من أرض فلسطين واستعمارها. الأمثلة المتجددة ضد الأرض والانسان تدمي القلب وتؤكد الآلام الفلسطينية تحت الاحتلال. إحداها ما قامت به إسرائيل مؤخرا وهو هدم قرية العراقيب في النقب. القرية البدوية الواقعة في صحراء النقب هدمت بحجة البناء غير المرخص. هذا العمل التعسفي ضد الانسان وحقه بدار وأمان انتهكته إسرائيل ضد العراقيب أكثر من مائة مرة خلال الست سنوات الأخيرة. هذه المرة شردت أكثر من 300 من البدو الذين يعيشون في القرية المحرومة من الخدمات البلدية، وتوفير الماء والكهرباء، ومن المدارس والتعليم، والخدمات الصحية.


لقد صمد أهل هذا المجتمع البدوي المخلص لبيئته وأرضه رغم شظف العيش في بيوت الصفيح. فإسرائيل لا تعترف بالمكان ككيان اجتماعي له عاداته وتقاليده وحياته المتناغمة مع الجغرافيا الصحراوية والانتساب الى فلسطين الأرض العربية التي ورثوها أبا عن جد. ولأنها المرة الخامسة بعد المائة التي تهدم إسرائيل العراقيب، فهي أيضا عدد المرات التي يعيد أهلها بناءها على أمل أن يعيشوا بأمان. صورة لهذا الألم والأمل، وثقتها في إحدى القصص الستين في كتابي ( عزوز يغني للحب : قصص فلسطينية من ألف قصة وقصة ) 1913، التي توثق عذاب الفلسطينيين تحت الاحتلال، أعيد نشرها ضمن مقالتي هذه :
“ قطيع عطية في النقب “ ( ص 21 )،
“ قال عطية لقطيعه المطيع :- استعدوا لرحلة الربيع، وأنت أيتها العنزة الشقية لا تكثري النط وإعادة سير القطيع. كوني مثل البقية وسيري كالخراف البلدية، سنقوم برحلة تسمين ربيعية من أجل لبن وحليب قبل زيارة العسكر. قال الكبش قائد القطيع بصوت خشن وأنف لزج : – سيأخذنا عطية للكلأ والماء لنأكل كثيرا.. ماء.. ماء.. ماء، أين صديقنا الكلب شلش الذي يرافقنا ويحمينا؟ أنا هنا معكم، قال شلش. كانت موسيقى عنائها تطرب العراقيب والقرى المنسية، وتغيظ الجلاد القابض على روح الصحراء بلا ماء ولا كهرباء. دورهم من الطين والعشش، تقسو عليها الزوابع والرياح، تقتلعها وتنثرها في اللامكان فوق الرمال الذهبية. موسيقى الاغنام تداخلت وأم عطية تخبز القمح على الصاج لعطية والرجال الذين يمضون لزراعة الأرض بالقمح والشعير ليصبح ذهبا أصفر لآل عطية.


سرح راعي القطيع الى البعيد على فرسه يهش بعصاه السحرية، ويغني على الربابة ليبعد غول الفراغ المخيف. وبعد يومين شبعت الخراف وعاد بها للمكان، سأل : أين دارنا؟ أين مأوانا ؟ قالت أم عطية : دمرها العسكر. هذه آثار نار أكلت العشش وبيوت الصفيح. رفع عطية بقايا لوح وبدأ البناء من جديد، وغناء الخراف تحثه على البقاء في أرض الاجداد التي يريدها الغرباء..”

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment