شجر الزيتون الذي يأتي كل عام في هذا الشهر الخيّر ( تشرين الاول) نعيشه هذه الايام والكل يهلل له . يتجمع الناس في القرى سواء أكان فردا أم عائلة أم عشيرة أم وطنا للترحيب والعمل في هذا الشهر . الزيتون ينزل عن قمم الشجر لعصره زيتا أخضر يطيل العمر . في ارضنا زيتون وزيت وزعتر، ملتصقة بالجذور وبالهوية، والحياة منذ الاف السنين . وظل الناس يرددون مقولة : “ زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون “ التي تعلمناها في مدارس أيام زمان، لسير بنا للأمام من أجل المستقبل . تعلمنا دروسا أخرى من البيئة والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، جعلت لكل شيء معنى نبحث عنه على الاقل في مواسم الحياة، أحدها موسم العونة “ موسم جد الزيتون “ الذي كان فيه صاحب الارض المزروعة، يرحب بالاهل والجيران، الى جانب العمال الذين يعملون بأجر للمساعدة في قطف الزيتون ليصبح خيرا وبركة للانسان .
موسم العونة الذي كان بشرى للعمل الجماعي المشترك للناس، ليشموا رائحة الزيت، والزيتون الذي يحرصون على خزنه حتى الموسم القادم . ولعل المعاني من هذا التعاون، لتدل على التكافل الاجتماعي والاقتصادي . كان صاحب الارض، يوفر لعائلته الممتدة ما يلزم من هذا الطعام، وكان الفقير لا يشعر بالجوع، أو الاحراج، أو التذلل . فموسم العونة كان له، ولا يزال معاني متشابكة مع العادات والتقاليد التي تبعث على الامل والمحبة، والسعادة . في المجتمع القروي في قرى فلسطين والاردن .في موسم الزيتون، تشارك المرأة الرجل في العمل، وهي تعمل الى جانبه . وكان هذا الموعد السنوي لأهل القرى لتقريب المحبين من بعضهم، وهم يغنون لشجر الزيتون : “ شفت الحلوة تحت الزيتوني / من أول نظرة علقت عيوني / زيتون بلادي أخضر اللونا / زيتون بلادي أجمل ما يكونا “ .
ولعل أفضل الامثلة على كرم هذا الشهر في موسم” جد الزيتون “، هو اعداده وخزنه “مونة “تكفي العائلة طوال السنة مع المواد الاخرى كالقمح والطحين أو صنع المربيات، “ التطلي “ من الخوخ والدراق والسفرجل . هذا يشير بشكل واضح أن الناس كانت تعتمد على ارضها وزرعها وزيتونها من أجل اكتفاء ذاتي . كان المجتمع منتجا وليس استهلاكيا كما اليوم، والسوق مغر بكل أنواع الزيتون المستورد، وغيره من المنتجات .
يأتي تشرين الاول هذا العام، وشجر فلسطين لا يزال محاصرا تضربه إسرائيل بالنار لقعلع جذوره. كانت إسرائيل، وما زالت تكره الفلاح الذي يزرع أرضه أو يبني بيته . فهي تريد هذه الارض لها لتبني عليها المستوطنات القبيحة على جثث الشجر الذي لم يمت رغم كل التنكيل . فهناك شجرة زيتون في منطقة القدس الجنوبية، معروفة بشجرة “ سيدنا أحمد البدوي “ عمرها 555 سنة، يزورها الناس في الجوار ليتبركوا بها وهم ينسجون القصص حولها . لا شك ان لهذه الشجرة افضالا اجتماعية واقتصادية، منذ ذلك الزمن البعيد الذي تريد اسرائيل دفنه تحت المستوطنات .
موسم الزيتون يبعث على السعادة لأن الجميع ينتظر الجديد منه مثلي سواء بشرائه، أو هدية من الصديق د. أنيس القاسم، الذي يحسب حسابي من شجره “المميّز “تعدها زوجته صديقتي العزيزة أمل القاسم، التي تجدد كل عام محبتي للأرض والانسان . فشكرا، ولتدم يا شجر الزيتون وكل عام وأنتم بخير .