تمر الأيام وتمر السنون والحقبات التي تحمل المزيد من الأرقام المتعلقة بالفلسطينيين، في زمن التكنولوجيا والأرقام الذكية . 29 نوفمبر من كل عام، تاريخ يذكر بالقضية الفلسطينية التي يتلاعب العالم بها وتصل حد التهميش كما هي الحال اليوم . ويوصف هذا اليوم “ بالاحتفال”، وفي الحقيقة مع محبتي للغتي العربية الجميلة، فالوصف خاطئ لأن الاحتفال في مفهومي العاطفي المرتبط بفلسطين عادة ما كان يخلق البهجة والسعادة، التي كانت تلازم أهل فلسطين قبل نكبة 1948، وقبل أن يطردوا من وطنهم .
كان الفلسطينيون قبل النكبة، يحتفلون في حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بأشكال مرتبطة بالجذور والعادات والتقاليد التي هي جزء من الهوية . كانوا يغنون بالأعراس، وولادة الأطفال، وفي الاعياد وموسم الحج ومناسبات قطف الزيتون وحصاد القمح والشعير وبناء الدور الحجرية ويتعاونون بل، يفزعون للمساعدة والتكافل الاجتماعي . كانوا يحبون ويكرهون كانوا يبكون ويضحكون، وكانوا ينشدون القصائد الوطنية ويرددون .. موطني .. موطني …
في عام 1947 اقامت الصهيونية دولة اسرائيل واحتفل اليهود ورقصوا في شوارع القدس والمدن الكبرى . قسمت فلسطين وفق قرار اتخذته الامم المتحدة رفضه الفلسطينيون لأنه اتخذ من غير حق ولا موضوعية على حساب الشعب الفلسطيني أصحاب الأرض الأصليين الذين قاوموا الصهيونية والانتداب من اجل وطن يحلمون ببنائه بالعلم والعمل والحياة الحرة .
نص قرار التقسيم الذي اتخذته الجمعية العامة للامم المتحدة على اعطاء اليهود 56.5% من اجمالي مساحة فلسطين التاريخية على حساب العرب الذين كانت نسبتهم السكانية تبلغ 67 % ويمتلكون ما نسبته 43.5 %من الاراضي . ورغم أن” النقاد “اليوم يعتبون على العرب لرفضهم القرار المجحف، إلا أن رائحة الطمع ونوايا الصهيونية الاستعمارية كانت حيّة منذ ذلك التاريخ، بأن اسرائيل لن تتوقف عند حدود لتكمل اهدافها باقامة الدولة اليهودية العنصرية، لا بل تتخطى الحدود الى الدول العربية .وما زالت شهيتها منفتحة على المزيد من الاستيلاء على الاراضي الفلسطينية التي لم يتبقّ منها الا القليل لكي تحصر الفلسطينيين في مساحات وجزر متقطعة، خوفا من تحقيق حلمهم باقامة دولتهم المستقلة على فلسطين التاريخية. بالاضاقة إلى ذلك فهي مستمرة في زج الالاف من المناضلين في سجونها المظلمة . تأتي ثقتها الاستعمارية هذه بفضل الاعتماد على أمريكا حليفتها الأهم لمّدها بالمال بأرقام خيالية، لكي تبني المستوطنات والأسوار وتطرد الفلسطينيين من بيوتهم، وتفرغ القدس من سكانها لجلب اليهود الغرباء بدلهم . يتبين اليوم بشكل واضح وحدس تاريخي للفلسطينيين بأن هدف الدولة المحتلة هو هدم الحرم الشريف لبناء الهيكل المزعوم على انقاضه، وخاصة بعد احتلالها الضفة الغربية 1967 بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية .
إن سياسة إسرائيل تدعو للاكتئاب وتذكر بمسيرة اسرائيل وتاريخها في رفض كل ما يصدر عن مجلس الأمن للأمم المتحدة من قرارات مثل قرار 242 الصادر بتاريخ تشرين الثاني من ذلك العام والذي يدعو اسرائيل للانسحاب من الاراضي التي احتلتها 1967.. اسرائيل متمسكة بسياستها التي تعتمد على أساليب لم تخف على احد لتعطيل عمليات السلام وافشالها حتى عام 2014 . لقد تمكنت من تضييع الوقت لأكثر من ربع قرن من الزمن لتبيّن أنها كاذبة ومخادعة، ولم تكن يوما جادة في المفاوضات المتعددة التي اقيمت مع الفلسطينيين برعاية امريكية واوروبية .
ما يقلق إسرائيل، هو محاولات فلسطينية لإجبارها على تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي لا تعيرها اي اهتمام . فقد اتخذ قرار في نيسان 2015 يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وله الحق في اقامة دولة مستقلة على أرضه . ورفع العلم الفلسطيني على مبنى الأمم المتحدة كإشارة الى اعتراف الدول بحق الشعب الفلسطيني وانهاء الاحتلال . ولعل عدم القيام بالاحتفالات الساخنة من قبل الفلسطينيين، ليدل على معرفتهم من التجارب التي يخوضونها مع الاحتلال الاسرائيلي، ومع موقف أمريكا من القضية الفلسطينية وتحيزها للصهيونية . ما يبعث فعلا على الاكتئاب وليس “الاحتفال “ عندما نعرف أن اسرائيل تحكم قبضتها الاستعمارية على 85% من الأراضي الفلسطينية التاريخية، وأنها ماضية بحكامها مثل نتنياهو الى مزيد من التغوّل من جهة . ومن جهة أخرى ما يبعث على الأمل والعمل، هو صمود الشعب الفلسطيني، بنسائه ورجاله وأطفاله ووقوفهم في وجه إسرائيل الخائفة من شعب مقاوم وشعب لم يفرط بحقه للعودة لأرضه مهما طال الزمن لكي يفرح ويترجم معنى الاحتفال الوطني الحقيقي.