وجع جديد قديم يعيشه القطاع الزراعي في الأردن هذه الأيام، رغم جمال الأرض وما ينبت عليها في البر أو المنازل البلاستيكية التي تشير لوفرة في الانتاج الزراعي، من الخضروات الموسمية أو من الفواكه . وكنا نعتقد أننا  بلد “ زراعي “  قبل أن يختلط الامر علينا، لنصبح أيضا بلدًا “ صناعياً “ كما يحلو لغير المتخصصين تسميتها وللآن لم يحسم الأمر . 

وفي هذا السياق، أتذكر أول عمل لي في قسم- الإرشاد الزراعي/ التنمية الريفية للمرأة – في الستينيات أنني تعلمت بشغف عن الزراعة التي لم تكن من تخصصي . كان وادي الأردن ومنطقة الأغوار منطقة جذب للمزارعين أو المستثمرين من أهل المدينة، كثيرون في السبعينيات والثمانينيات قاموا بمشاريع زراعية ناجحة لعدة سنوات وصل منتوجها مثل بعض أصناف الفواكه والخضروات ذات الجودة العالية لبعض الأسواق الأوروبية، مثل الخيار والبرتقال، كما التمور وغيرها، بعضها توقف والبعض مستمر للآن . بالاضافة ولعقود ليست بعيدة، كانت خضروات وفواكه الأردن من أفضل الصادرات لدول الخليج . كان هناك وفرة في بعض الإنتاج مثل البندورة، ولحل المشكلة أقيم مصنع للبندورة، تعثر مثل كثير من المشاريع التي ظلت على قائمة حلقات الخسائر في القطاع الزراعي، وفاض السوق برب البندورة المستوردة من كل مكان ليطغى على المنتج المحلي .

 يبدو أن حلقة آلام وادي الأردن، المكان الأنسب للزراعة على مدار السنة مستمرة . لم ييأس المزارعون الذين ورثوا الأراضي لزراعتها لتكون لهم حياة بالإضافة لثروة وطنية كما يجب . وتقول الأخبار اليوم، إن وادي الأردن يعاني من مشاكل تدعو للفزعة على جميع المستويات . تأتي متزامنة هذه الأيام مع شكوى الناس من غلاء المعيشة، ومنها لقمة العيش بسبب الأزمة الاقتصادية نتيجة ما يجري في المنطقة من حروب وعدم استقرار، البندورة التي كانت وما زالت حديث الناس من عقود، وكذلك الباذنجان، والخيار وأخواتها، تضاف اليوم للهموم ليست لقلتها بل لكثرتها وتدني أسعارها التي تزيد هموم المزراعين  

  سمعت مزارعا يشكو همه” للخضرجي” الذي أتعامل معه، يقول : “كلنا عارفين أن الصقيع سيتلف زرعنا، كما حصل في السنتين الأخيرتين ومع الأسف لا يأخذ المخططون هذا الاحتمال، وكأن كل عام يأت كمفاجأة . “ ولعل هذا الشاكي على حق إذ يبدو أن هناك فعلا،عدم تخطيط واهمال في الارشاد الزراعي الذي كان أحد العوامل لتعليم المزارعين مثل هذا المزارع، عن مواسم الزراعة المناسبة، بالإضافة الى عدم وجود جمعيات تعاونية كما السابق حيث كانت سندا للمزارع .

أحزن وأنا أرى أن القطاع الزراعي ضحية عوامل عدة، وأنها تزيد هموم الإنسان صانع الخير والأمن الغذائي في بلده، وأجد نفسي مندفعة من مدة لأخرى للمناقشة لإيماني بأن الأردن بلد زراعي قبل كل شئ، وفي أرضه كل الخير.  هناك حاجة لوضع استراتيجيات قصيرة المدى وبعيدة، ودروس مستفادة، أهمها العودة لسياسة “ النمط الزراعي “ الذي كانت وزراة الزراعة تفرضه على المزارعين .

 لقد سعدت قبل سنين قريبة وأنا أزور أحد أنجح المشاريع الزراعية، مشروع زراعة التمور، الذي نجح فيه المرحوم د. عبد الله عرعر الذي عمل في الزراعة في الأردن قبل أن يصبح خبيرا في الفاو، وعاد لمشروعه الناجح الذي يحمل مبادرته القيّمة بعد التقاعد وحتى وفاته مؤخرا . ولعل وضع خطط عملية مستقبلية تساهم في حلول مشكلة الزراعة في وادي الأردن “ بشكل جاد “ هي الأهم اليوم لكي لا تبقى على أجندة الشكوى المستمرة دون حلول . !

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment