انا لم أنسك يا أمي , ويا صديقتي , يا جارتي ويا أختي يا ابنة فلسطين في سجون الاحتلال … لا تعتبي عليّ وعلى نساء فلسطين والعرب والعالم .. نحن لم ننسك وأنت الأهم منا جميعا . حلمت بك اليوم يا صديقتي الصغيرة وعمرك الذي لم يتجاوز اليوم 17 عاماً ، حلمت أنك تعافيت من المرض , ورأيتك ترقصين مع النساء  اللواتي يوزعن الحامض والحلو والزلابية باب السجن بعد ان تحررتي .

سألتك عن حال أخواتك الإحدى عشر أسيرة اللواتي كنت تتشاركين معهن المرض والألم والعذاب ..  ولم تجيبيني ووقعت على الأرض من مجرد ذاكرة المكان . وعندما هزوك ووضعوا نشادر في أنفك اتسيقظت وقلت ، أنا ومن خرج معي من سجن (الشارون والدامون )نعاني من أمراض خطيرة، كانت هناك قاصرات من 6- 15 عاما لا استطيع إلا البكاء عندما أتذكر كيف كنا نحاول أن نكون لهن عالما غير عالمنا المظلم ، وكيف كانت الصغيرات يحاولن أن يكن لنا بنات نتكئ عليهن لنخفف الألم . لقد حرمونا من نفحة حب مشروع من  زيارة الأهل ، أو نقل رسالة تغذي روحنا الحزينة ، ولعل أقساها يا” أمي “ ، هو العزل الإنفرادي الذي كان عقاباً تحاول إسرائيل فيه حرق ما تبقى من روح حب الوطن والإنسانية .

رايتك تحاولين النهوض لتسيري مع الأهل والجيران الذين تواجدوا لأخذك للبيت الذي تحلمين بالعودة إليه فلم تستطيعي القيام . جلست بجانبك أربت على ظهرك المتعب، وأبكي معك من ألم أسنانك الشديد الذي وصل للعيون والأعصاب التي لا تحمل كل غذاباتك .قبلت رأسك ورأس أمك التي كانت تملس شعرك الجميل وهي تقول : “ يا يمّة , شدي حالك عريسك محمد يزّين باب الدار ويحضّر لعرسكم بالصيف “ . رايتك تبتسمين وغفوت في حضنها ، ورائحة الحب تعبث بالقلب الصغير.

وفي الحلم يا عزيزتي ، رأيت نساء العالم .. يقفن معي بباب السجن القبيح ، البعض يحمل الزهور ، والبعض يرفعن الشعارات يطالبن بالافراج عن صديقاتك ال 56 أسيرة في ظلمات الاحتلال . كان بين الجمع أطباء من بلدان العالم ، وكان بين الجمع الغفير محامون باللباس القانوني , وكان بين النساء نساء من الجمعيات الإنسانية العربية والدولية ، ومن المحررين والمحررات ، وكان بينهن من حملن اغصان شجر اللوز ببراعمها الزهرية والبيضاء تفتيحة الربيع ، و رأيت من يحمل تفتيحة الخردل والخرفيش بزهرة الشوك البنفسجية .

 تحرك رأسك وأنت تشمين رائحة الزيت والزعتر التي تحملها الأمهات للأسود القوية داخل السجون ، وصوتهم الملعلع يغيظ السجان ، يهتفون لك وللمرأة الفلسطينية الصامدة . الصوت حرّك اغصان رائحة زهر اللوز الذي تغنى به درويش ، ابتسمت وفتحت عيونك وحاولت النهوض .. وقفت برأس مرفوعة واحاط بك الجمع ليقبلوا راسك ، وحيّوك مع أخواتك الأسيرات المحررات أو من بقي منهن في الظلام . مشيت في الزفة ، وزغاريد النساء ، ترتفع تحت زخات من الحب لك أيتها البنت الشلبية . لوحت لك بيدي واستيقظت لأكتب لك أنني أحبك في الحقيقة والحلم في كل يوم وليس فقط في يوم المرأة العالمي .!

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment