وإن أغلقت إسرائيل أبواب القدس العتيقة في وجه المصلين المتجهين للجامع الأقصى، إلا أنها  سلطت الأضواء على أبواب القدس العتيقة وحاراتها  للتعرف عليها لمن لا يعرفها واسترجعت الصور القديمة عن المدينة التي طمع بها الطامعون . ولعل زيارتي الأخيرة للقدس  في نيسان الماضي، جعلتني، أغوص في تاريخها وكأنني أتعرف عليها  من جديد، وأنا ابنتها / من لفتا إحدى ضواحيها . تجولت في حارات القدس العتيقة التي طال الغياب عنها بعد النكبة والنكسة . كانت بالنسبة لي -أيضاً- مشروعاَ علميًا ونفسيّا كتبت عنها في كتابي (القدس والبنت الشلبية  2013) عدت فيه للماضي، للحارات القديمة  لأعيش مع أهلها الذين صنعوا المكان وعاشوا فيه آلاف السنين.
  حارة باب حطة ظهرت كبطل في هبة الأقصى الأخيرة التي انتصر فيها المقادسة على سارق فلسطين ومدنها منذ 1948 .ولباب حطة  خصوصيته ككل حيّ بتميزه .، فهي إحدى الحارات الإسلامية في القدس العتيقة، تؤدي الى المسجد الأقصى، وبها أثار من العصر الأيوبي، وفيها أيضاً”  الصلاحية “ التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي، كمجمع علميّ خرّج الكثير من العلماء .وفي حارة باب حطة تسمع اللهجة الخليلية القوية التي تخيف المستوطنين، لأن الاكثرية الذين يسكنون هذه الحارة، منذ أن هاجروا اليها من الخليل في الثلاثينيات من القرن الماضي  ليصبحوا من أنشط  تجار الاقمشة والمانيفاتورة وغيرها من المهن بالاضافة لروحهم الوطنية  .
 وفي حارات  القدس قصص كثيرة متجددة  يتمسك بها أهلها الذين لم يتنازلوا عنها كما تحاول إسرائيل الإيحاء للعالم أنها صاحبة الأرض وما عليها، وهي تقوم بتزوير التاريخ، أو التحايل على شراء الممتلكات العربية، وإن نجحت بالاستيلاء على بعضها بالتزوير والغش  بالاضافة لسحب الهوية الفلسطينية منهم، وعدم الاعتراف “ بالصغار “الذين يريدونهم أن ينسوا المكان وبلد الأباء، لتكون القدس لهم العاصمة الأبدية .
 المعروف أن القدس اليوم سجينة في يد إسرائيل منذ السادس من يونيو 1967 كبقية فلسطين، عندما احتلت الضفة الغربية بما فيها القدس احتلالا عسكرياً .    وهي بذلك شانها شأن الاراضي العربية الأخرى المحتلة . ومن المطلوب أن  تطبق  إسرائيل القوانين الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي وضعت طبقا لاتفاقيات جنيف عام 1949، والذي تنص مواده أن على الدولة المحتلة تطبيقها .
 إسرائيل لا تحترم سلسلة المواثيق الدولية  المتعلقة بالقدس منذ احتلالها  . إن وقاحة اسرائيل مستمرة، وغرور نتنياهو وسياسته اليمينية المتطرفة بتحدي الفلسطينيين المتحفزيين اليوم للدفاع عن المسجد الاقصى، تعيد للأذهان ما  حصل في هبة البراق 1929 التي أحبطت محاولة تحويل حائط البراق الى كنيس يهوديّ  . وكانوا وضعوا ستارًا على حائط البراق أو ما يسمونه حائط المبكى للفصل بين الرجال والنساء في محاولة لجعل ذلك أمراً واقعاً؛  ما اضطر البوليس انذاك لنزع الستار بالقوة . وقد سقط في تلك الهبة،  116 شهيدا و133 قتيلاً يهودياً . كان من بين الشهداء العرب عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي الذين نفذ فيهم حكم الاعدام في مثل هذه الأيام  بتاريخ 17 يونية،1930  من قبل السلطات البريطانية المتحيزة للصهيونية .
  وقاحة إسرائيل مستمرة  في عصيان تطبيق القوانين الدولية، ومنها قرار اليونسكو المتعلق بالمسجد الاقصى، الذي صدر بتاريخ 18 أكتوبر، 1916 وقد نفت فيه وجود اي ارتباط ديني لليهود بالمسجد الاقصى، وأظهر القرار الأسس العربية الاسلامية للمسجد والحرم الشريف، بالاضافة أن تلة باب المغاربة وهي جزء لا يتجزأ من المسجد الاقصى . إسرائيل لا تسمع للماضي والا الحاضر، وكانت اليونسكو عام 1914 قد طلبت بوقف كل الحفريات غير القانونية التي تقوم بها .
 إن هبة اقفال أبواب القدس اليوم، ومنع صلاة المسلين في المسجد الاقصى، لم يمنعهم بمواجهة هذا الاستفزاز بصلابة وجعلتهم يصلون أمام باب الأسباط والأبواب الأخرى  في هبة من نوع جديد . إسرائيل  أُجبرت على حمل عتادها    وآليات الكشف عن المعادن، بعد أن استباحت المسجد الاقصى ولوثت داخله وسرقت الوثاق التاريخية لأوقاف وأملاك القدس  . استعملت أسلوباً خططت له بغباء  لاتمام خططها لتزوير الحقائق .  هبة الاقصى للعام 10017 هذه لم تنته بعد، ولها تبعات على سرقة الأوقاف الكبيرة التي تشكل نسبة عالية من عموم القدس المحتلة حيث ستقوم بلا شك في تزوير الحقائق وسرقة الاملاك والبيانات وما يتعلق بأملاك الغائبين، هبات جديدة ستواجه إسرائيل،  بعد ما يتبين حجم السرقات، والمخاطر التي خلقتها …!

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment